الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً }

{ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ } استئناف مبني على سؤال نشأ من السياق كأنه قيل فما جرى بينهما من الكلام؟ فقيل: قال له موسى عليه السلام: { هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلّمَنِ } استئذان منه عليه السلام في اتباعه له بشرط التعليم، ويفهم ذلك من { عَلَىٰ } فقد قال الأصوليون: إن على قد تستعمل في معنى يفهم منه كون ما بعدها شرطاً لما قبلها كقوله تعالى:يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ } [الممتحنة: 12] أي بشرط عدم الإشراك، وكونها للشرط بمنزلة الحقيقة عند الفقهاء كما في «التلويح» لأنها في أصل الوضع للإلزام والجزاء لازم للشرط، ويلوح بهذا أيضاً كلام الفناري في «بدائع الأصول» وهو ظاهر في أنها ليست حقيقة في الشرط، وذكر السرخسي أنه معنى حقيقي لها لكن النحاة لم يتعرضوا له، وقد تردد السبكي في وروده في كلام العرب، والحق أنه استعمال صحيح يشهد به الكتاب حقيقة كان أو مجازاً ولا ينافي انفهام الشرطية تعلق الحرف بالفعل الذي قبله كما قالوا فيما ذكرنا من الآية كما أنه لا ينافيه تعلقه بمحذوف يقع حالاً كما قيل به هنا فيكون المعنى هل أتبعك باذلا تعليمك إياي { مِمَّا عُلّمْتَ رُشْداً } أي علماً ذا رشد وهو إصابة الخير. وقرأ أبو عمرو والحسن والزهري وأبو بحرية وابن محيصن وابن مناذر ويعقوب وأبو عبيد واليزيدي { رشدًا } بفتحتين؛ وأكثر السبعة بالضم والسكون وهما لغتان كالبخل والبخل. ونصبه في الأصل على أنه صفة للمفعول الثاني لتعلمني ووصف به للمبالغة لكن أقيم مقامه بعد حذفه والمفعول الثاني لعلمت الضمير العائد على ما الموصولة أي من الذي علمته، والفعلان مأخوذان من علم المتعدي إلى مفعول واحد، وجوز أن يكون { مِمَّا عُلّمْتَ } هو المفعول الثاني لتعلمني و { رشداً } بدل منه وهو خلاف الظاهر، وأن يكون { رشدًا } مفعولاً له لأتبعك أي هل أتبعك لأجل إصابة الخير فيتعين أن يكون المفعول الثاني لتعلمني { مِمَّا عُلّمْتَ } لتأويله ببعض ما علمت أو علماً مما علمت، وأن يكون مصدراً بإضمار فعله أي أرشد رشداً والجملة استئنافية والمفعول الثاني { مِمَّا عُلّمْتَ } أيضاً.

واستشكل طلبه عليه السلام التعليم بأنه رسول من أولي العزم فكيف يتعلم من غيره والرسول لا بد أن يكون أعلم أهل زمانه، ومن هنا قال نوف وأضرابه: إن موسى هذا ليس هو ابن عمران وإن كان ظاهر إطلاقه يقتضي أن يكون إياه؟ وأجيب بأن اللازم في الرسول أن يكون أعلم في العقائد وما يتعلق بشريعته لا مطلقاً ولذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم: " أنتم أعلم بأمور دنياكم " فلا يضر في منصبه أن يتعلم علوماً غيبية وأسراراً خفية لا تعلق لها بذلك من غيره لا سيما إذا كان ذلك الغير نبياً أو رسولاً أيضاً كما قيل في الخضر عليه السلام، ونظير ما ذكر من وجه تعلم عالم مجتهد كأبـي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما علم الجفر مثلاً ممن دونه فإنه لا يخل بمقامه، وإنكار ذلك مكابرة.

السابقالتالي
2 3 4