الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً }

{ قَالَ } أي فتاه، والاستئناف بياني كأنه قيل فما صنع الفتى حين قال له موسى عليه السلام ما قال؟ فقيل قال: { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى ٱلصَّخْرَةِ } أي التجأنا إليها وأقمنا عندها. وجاء في بعض الروايات الصحيحة أن موسى عليه السلام حين قال لفتاه:لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } [الكهف: 62] قال: قد قطع الله عنك النصب، وعلى هذا فيحتمل أنه بعد أن قال ذلك قال: { أَرَأَيْتَ } الخ. قال شيخ الإسلام: وذكر الإواء إلى الصخرة مع أن المذكور فيما سبق بلوغ مجمع البحرين لزيادة تعيين محل الحادثة فإن المجمع محل متسع لا يمكن تحقيق المراد بنسبة الحادثة إليه ولتمهيد العذر فإن الإواء إليها والنوم عندها مما يؤدي إلى النسيان عادة انتهى. وهذا الأخير إنما يتم على بعض الروايات من أنهما ناما عند الصخرة. وذكر أن هذه الصخرة قريبة من نهر الزيت وهو نهر معين عنده كثير من شجر الزيتون. و { أَرَأَيْتَ } قيل بمعنى أخبرني؛ وتعقبه أبو حيان بأنها إذا كانت كذلك فلا بد لها من أمرين كون الاسم المستخبر عنه معها ولزوم الجملة التي بعدها الاستفهام وهما مفقودان هنا، ونقل هو ناظر الجيش في «شرح التسهيل» عن أبـي الحسن الأخفش أنه يرى أن { أَرَأَيْتَ } إذا لم ير بعدها منصوب ولا استفهام بل جملة مصدرة بالفاء كما هنا مخرجة عن بابها ومضمنة معنى اما أو تنبه فالفاء جوابها لا جواب (إذ) لأنها لا تجازى إلا مقرونة بما بلا خلاف فالمعنى إما أو تنبه إذ أوينا إلى الصخرة.

{ فَإِنّى نَسِيتُ ٱلْحُوتَ } وقال شيخ الإسلام: الرؤية مستعارة للمعرفة التامة والمشاهدة الكاملة، ومراده بالاستفهام تعجيب موسى عليه السلام مما اعتراه هناك من النسيان مع كون ما شاهده من العظائم التي لا تكاد تنسى، وقد / جعل فقدانه علامة لوجدان المطلوب وهذا أسلوب معتاد بين الناس يقول أحدهم لصاحبه إذا نابه خطب: أرأيت ما نابني يريد بذلك تهويله وتعجيب صاحبه منه وأنه مما لا يعهد وقوعه لا استخباره عن ذلك كما قيل، والمفعول محذوف اعتماداً على ما يدل عليه من قوله { فَإِنّي } الخ وفيه تأكيد للتعجيب وتربية لاستعظام المنسي اهـ. وفيه من القصور ما فيه. والزمخشري جعله استخباراً فقال: إن يوشع عليه السلام لما طلب منه موسى عليه السلام الغداء ذكر ما رأى من الحوت وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية فدهش فطفق يسأل عن سبب ذلك كأنه قال: أرأيت ما دهاني إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت فحذف ذلك اهـ، وفيه إشارة إلى أن مفعول { أَرَأَيْتَ } محذوف وهو إما الجملة الاستفهامية إن كانت ما في ما دهاني للاستفهام وإما نفس ما إن كانت موصولة، وإلى أن إذ ظرف متعلق بدهاني وهو سبب لما بعد الفاء في { فَإِنّي } وهي سببية، نظير ذلك قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4