الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً }

{ فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ } أي قاتل { نَفْسَكَ } وفي معناه ما في «صحيح البخاري» مهلك. والأول مروي عن مجاهد والسدي وابن جبير وابن عباس وأنشد لابن الأزرق إذ سأله قول لبيد بن ربيعة:
لعلك يوماً إن فقدت مزارها   على بعده يوماً لنفسك باخع
وفي «البحر» ((عن الليث بخع الرجل نفسه بخعاً وبخوعاً قتلها من شدة الوجد وأنشد قول الفرزدق:
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه   لشيء نحته عن يديه المقادر
وهو من بخع الأرض بالزراعة أي جعلها ضعيفة بسبب متابعة الزراعة كما قال الكسائي)). وذكر الزمخشري أن البخع أن يبلغ الذبح البخاع بالباء وهو عرق مستبطن القفا، وقد رده ابن الأثير وغيره بأنه لم يوجد في كتب اللغة والتشريح لكن الزمخشري ثقة في هذا الباب واسع الاطلاع. وقرىء { بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ } بالإضافة وهي خلاف الأصل في اسم الفاعل إذا استوفى شروط العمل عند الزمخشري، وأشار إليه سيبويه في «الكتاب». وقال الكسائي: العمل والإضافة سواء، وزعم أبو حيان أن الإضافة أحسن من العمل.

{ عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِمْ } أي / من بعدهم، يعني من بعد توليهم عن الإيمان وتباعدهم عنه. أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والنضر بن الحرث وأمية بن خلف والعاصي بن وائل والأسود بن المطلب وأبا البختري في نفر من قريش اجتمعوا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه كما يرى من خلاف قومه إياه وإنكارهم ما جاء به من النصيحة فأحزنه حزناً شديداً فأنزل الله تعالى: { فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ } الخ، ومنه يعلم أن ما ذكرنا أوفق بسبب النزول من كون المراد من بعد موتهم على الكفر.

{ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } الجليل الشأن، وهو القرآن المعبر عنه في صدر السورة بالكتاب. ووصفه بذلك لو سلم دلالته على الحدوث لا يضر الأشاعرة وأضرابهم القائلين بأن الألفاظ حادثة. و(إن) شرطية، والجملة بعدها فعل الشرط، والجواب محذوف ثقة بدلالة ما سبق عليه عند الجمهور، وقيل الجواب (فلعلك) الخ المذكور، وهو مقدم لفظاً مؤخر معنى، والفاء فيه فاء الجواب. وقرىء { أن لم يؤمنوا } بفتح همزة أن على تقدير الجار أي لأن، وهو متعلق بباخع على أنه علة له. وزعم غير واحد أنه لا يجوز إعماله على هذا إذ هو اسم فاعل وعمله مشروط بكونه للحال أو الاستقبال، ولا يعمل وهو للمضي، و(إن) الشرطية تقلب الماضي بواسطة { لَمْ } إلى الاستقبال بخلاف أن المصدرية فإنها تدخل على الماضي الباقي على مضيه إلا إذا حمل على حكاية الحال الماضية لاستحضار الصورة للغرابة.

وتعقبه بعض الأجلة بأنه لا يلزم من مضي ما كان علة لشيء مضيه، فكم من حزن مستقبل على أمر ماض سواء استمر أو لا فإذا استمر فهو أولى لأنه أشد نكاية فلا حاجة إلى الحمل على حكاية الحال.

السابقالتالي
2 3