الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً }

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بِـئَايِـٰتِ رَبّهِ } الأكثرون على أن المراد بها القرآن العظيم لمكان { أَن يَفْقَهُوهُ } فالإضافة للعهد. وجوز أن يراد بها جنس الآيات ويدخل القرآن العظيم دخولاً أولياً. والاستفهام إنكاري في قوة النفي، وحقق غير واحد أن المراد نفي أن يساوي أحد في الظلم من وعظ بآيات الله تعالى { فَأَعْرَضَ عَنْهَا } فلم يتدبرها ولم يتعظ بها، ودلالة ما ذكر على هذا بطريق الكناية وبناء الأظلمية على ما في حيز الصلة من الإعراض للإشعار بأن ظلم من يجادل في الآيات ويتخذها هزواً خارج عن الحد { وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي عمله من الكفر والمعاصي التي من جملتها المجادلة بالباطل والاستهزاء بالحق. ونسيان ذلك كناية عن عدم التفكر في عواقبه. والمراد { مِمَّنْ } عند الأكثرين مشركو مكة. وجوز أن يكون المراد منه المتصف بما في حيز الصلة كائناً من كان ويدخل فيه مشركو مكة دخولاً أولياً.

والضمير في قوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } لهم على الوجهين، ووجه الجمع ظاهر. والجملة استئناف بياني كأنه قيل ما علة الإعراض والنسيان؟ فقيل علته أنا جعلنا على قلوبهم { أَكِنَّةً } أي أغطية جمع كنان. والتنوين على ما يشير إليه كلام البعض للتكثير { أَن يَفْقَهُوهُ } الضمير المنصوب عند الأكثرين للآيات، وتذكيره وإفراده باعتبار المعنى المراد منها وهو القرآن. وجوز أن يكون للقرآن لا باعتبار أنه المراد من الآيات وفي الكلام حذف والتقدير كراهة أن يفقهوه، وقيل لئلا يفقهوه أي فقهاً نافعاً { وَفِى ءاذَانِهِمْ } أي وجعلنا فيها { وَقْراً } ثقلاً أن يسمعوه سماعاً كذلك.

{ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُواْ إِذاً أَبَداً } أي مدة التكليف كلها، و { إِذن } جزاء وجواب كما حقق المراد منه في موضعه فتدل على نفي اهتدائهم لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سبباً في انتفائه، وعلى أنه جواب للرسول عليه الصلاة والسلام على تقدير قوله صلى الله عليه وسلم مالي لا أدعوهم حرصاً على اهتدائهم وإن ذكر له صلى الله عليه وسلم من أمرهم ما ذكر رجاء أن تنكشف تلك الأكنة وتمزق بيد الدعوة فقيل / وإن تدعهم الخ قاله الزمخشري. وفي «الكشف» في بيان ذلك أما الدلالة فصريح تخلل { إِذن } يدل على ذلك لأن المعنى إذن لو دعوت وهو من التعكيس بلا تعسف، وأما إنه جواب على الوجه المذكور فمعناه أنه صلى الله عليه وسلم نزل منزلة السائل مبالغة في عدم الاهتداء المرتب على كونهم مطبوعاً على قلوبهم فلا ينافي ما آثروه من أنه على تقدير سؤال لم لم يهتدوا؟ فإن السؤال على هذا الوجه أوقع اهـ، وهو كلام نفيس به ينكشف الغطا ويؤمن من تقليد الخطا ويستغني به المتأمل عما قيل: إن تقدير مالي لا أدعوهم يقتضي المنع من دعوتهم فكأنه أخذ من مثل قوله تعالى:

السابقالتالي
2