الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً }

{ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ } استئناف مسوق لبيان عدم استحقاق إبليس وذريته للاتخاذ المذكور في أنفسهم بعد بيان الصوارف عن ذلك من خباثة الأصل والفسق والعداوة أي ما أحضرت إبليس وذريته { خَلْقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } حيث خلقتهما قبل خلقهم { وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ } أي ولا أشهدت بعضهم / خلق بعض كقوله تعالى:وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [النساء: 29] فكلا ضميري الجمع المنصوب والمجرور عائد على إبليس وذريته وهم المراد بالمضلين في قوله تعالى: { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلّينَ عَضُداً } وإنما وضع ذلك موضع ضميرهم ذماً لهم وتسجيلاً عليهم بالإضلال وتأكيداً لما سبق من إنكار اتخاذهم أولياء. والعضد في الأصل ما بين المرفق إلى الكتف ويستعار للمعين كاليد وهو المراد هنا ولكونه نكرة في سياق النفي عم. وفسر بالجمع والإفراد لرؤوس الآي، وقيل إنما لم يجمع لأن الجميع في حكم الواحد في عدم الصلاحية للاعتضاد أي وما كنت متخذهم أعواناً في شأن الخلق أو في شأن من شؤوني حتى يتوهم شركتهم في التولي فضلاً عن الاستبدال الذي لزم فعلهم بناء على الشركة في بعض أحكام الربوبية. وإرجاع ضمير { أَنفُسِهِمْ } إلى إبليس وذريته قد قال به كل من ذهب إلى إِرجاع ضمير { أَشْهَدتُّهُمْ } إليهم، وعلل ذلك العلامة شيخ الإسلام بقوله ((حذراً من تفكيك الضميرين ومحافظة على ظاهر لفظ الأنفس ثم قال: ولك أن ترجع الضمير الثاني إلى (الظالمين) ويلتزم التفكيك بناء على عود المعنى إليه فإن نفي إشهاد الشياطين [خلق] الذين يتولونهم هو الذي يدور عليه إنكار اتخاذهم أولياء بناء على أن أدنى ما يصحح التولي حضور الولي خلق المتولي وحيث لا حضور لا مصحح للتولي قطعاً، وأما [نفي] إشهاد بعض الشياطين خلق بعض منهم فليس من مداراته الإنكار المذكور في شيء على أن إشهاد بعضهم خلق بعض إن كان مصححاً لتولي الشاهد بناء على دلالته على كماله باعتبار أن له مدخلاً في خلق المشهود في الجملة فهو مخل بتولي المشهود بناء على قصوره عمن شهد خلقه فلا يكون نفي الإشهاد المذكور متمحضاً في نفي الكمال المصحح للتولي عن الكل وهو المناط للإنكار المذكور. وفي الآية تهكم بالكفار وإيذان بكمال ركاكة عقولهم وسخافة آرائهم حيث لا يفهمون هذا الأمر الجلي الذي لا يكاد يشتبه على البله والصبيان فيحتاجون إلى التصريح به، وإيثار نفي الإشهاد على نفي شهودهم ونفي اتخاذهم أعواناً على نفي كونهم كذلك للإشعار بأنهم مقهورون تحت قدرته تعالى تابعون لمشيئته سبحانه وإرادته عز وجل [فيهم وأنهم] بمعزل من استحقاق الشهود والمعونة من تلقاء أنفسهم من غير إحضار واتخاذ وإنما قصارى ما يتوهم فيهم أن يبلغوا ذلك المبلغ بأمر الله جل جلاله ولم يكد ذلك يكون)) اهـ.

السابقالتالي
2 3