الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }

{ وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ } عطف علىعُرِضُواْ } [الكهف: 48] داخل تحت الأمور الهائلة التي أريد بذكر وقتها تحذير المشركين كما مر. وإيراد صيغة الماضي للدلالة على التقرر. والمراد من الكتاب كتب الأعمال فأل فيه للاستغراق، ومن وضعه إما جعل كل كتاب في يد صاحبه اليمين أو الشمال وإما جعل كل في الميزان، وجوز أن يكون المراد جعل الملائكة تلك الكتب في البين ليحاسبوا المكلفين بما فيها، وعلى هذا يجوز أن يكون المراد بالكتاب كتاباً واحداً بأن تجمع الملائكة عليهم السلام صحائف الأعمال كلها في كتاب وتضعه في البين للمحاسبة لكن لم أجد في ذلك أثراً، نعم قال اللقاني في شرح قوله في " جوهرة التوحيد ":
وواجب أخذ العباد الصحفا   كما من القرآن نصاً عرفا
جزم الغزالي بما قيل إن صحف العباد ينسخ ما في جميعها في صحيفة واحدة انتهى. والظاهر أن جزم الغزالي وأضرابه بذلك لا يكون إلا عن أثر لأن مثله لا يقال من قبل الرأي كما هو الظاهر، وقيل: وضع الكتاب كناية عن إبراز محاسبة الخلق وسؤالهم فإنه إذ أريد محاسبة العمال جيء بالدفاتر ووضعت بين أيديهم ثم / حوسبوا فأطلق الملزوم وأريد لازمه، ولا يخفى أنه لا داعي إلى ذلك عندنا وربما يدعو إليه إنكار وزن الأعمال. وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما { وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ } ببناء { وُضِعَ } للفاعل وإسناده إلى ضميره تعالى على طريق الالتفات ونصب { ٱلْكِتَـٰبُ } على المفعولية أي ووضع الله الكتاب.

{ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ } قاطبة فيدخل فيهم الكفرة المنكرون للبعث دخولاً أولياً. والخطاب نظير ما مر { مُشْفِقِينَ } خائفين { مِمَّا فِيهِ } أي الكتاب من الجرائم والذنوب لتحققهم ما يترتب عليها من العذاب { وَيَقُولُونَ } عند وقوفهم على ما في تضاعيفه نقيراً وقطميراً { يَا وَيْلَتَنَا } نداء لهلكتهم التي هلكوها من بين الهلكات فإن الويلة كالويل الهلاك ونداؤها على تشبيهها بشخص يطلب إقباله كأنه قيل يا هلاك أقبل فهذا أوانك ففيه استعارة مكنية تخييلية وفيه تقريع لهم وإشارة إلى أنه لا صاحب لهم غير الهلاك وقد طلبوه ليهلكوا ولا يروا العذاب الأليم.

وقيل: المراد نداء من بحضرتهم كأنه قيل: يا من بحضرتنا انظروا هلكتنا، وفيه تقدير يفوت به تلك النكتة.

{ مَّالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ } أي أي شيء له؟ والاستفهام مجاز عن التعجب من شأن الكتاب، ولام الجر رسمت في الإمام مفصولة، وزعم الطبرسي أنه لا وجه لذلك، وقال البقاعي: إن في رسمها كذلك إشارة إلى أن المجرمين لشدة الكرب يقفون على بعض الكلمة، وفي «لطائف الإشارات» وقف على { مَا } أبو عمرو والكسائي ويعقوب والباقون على اللام والأصح الوقف على (ما) لأنها كلمة مستقلة، وأكثرهم لم يذكر فيها شيئا اهـ.

السابقالتالي
2 3