الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً }

{ وَيَوْمَ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ } منصوب باذكر مضمراً أي اذكر يوم نقلع الجبال من أماكنها ونسيرها في الجو كالسحاب كما ينبىء عنه قوله تعالى:وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [النمل: 88]، وقيل: نسير أجزاءها بعد أن نجعلها هباء منبثاً والكلام على هذا على حذف مضاف، وجوز أن يكون التسيير مجازاً عن الإذهاب والافناء بذكر السبب وإرادة المسبب أي واذكر يوم نذهب بها وننسفها نسفاً فيكون كقوله تعالى:وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً } [الواقعة: 5-6]، واعترض / كلا الأمرين بأن صيرورة الجبال هباء منبثاً وإذهابها بعد تسييرها فقد ذكر بعض المحققين أخذاً من الآيات أنه أولاً تنفصل الجبال عن الأرض وتسير في الجو ثم تسقط فتصير كثيباً مهيلاً ثم هباء منبثاً، والظاهر هنا أول أحوال الجبال ولا مقتضي للصرف عن الظاهر. ثم المراد بذكر ذلك تحذير المشركين ما فيه من الدواهي التي هي أعظم من ثالثة الأثافي، وجوز أبو حيان وغيره كون { يَوْمَ } ظرفاً للفعل المضمر عند قوله تعالىلَّقَدْ جِئْتُمُونَا } [الكهف: 48] الخ أي قلنا يوم كذا لقد جئتمونا، وفيه ما ستعلمه إن شاء الله تعالى هناك، وغير واحد كونه معطوفاً على ما قبله من قوله تعالى:عِندَ رَبّكَ } [الكهف: 46] فهو معمولخَيْرٌ } [الكهف: 46] أي الباقيات الصالحات خير عند ربك ويوم القيامة، وحينئذ يتعين أن يكون المراد منعِندَ رَبّكَ } [الكهف: 46] في حكمه تعالى كما قيل به.

وقرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو والحسن وشبل وقتادة وعيسى والزهري وحميد وطلحة واليزيدي والزبيري عن رجاله عن يعقوب { تسير الجبال } برفع الجبال وبناء تسير بالتاء ثالثة الحروف للمفعول جرياً على سنن الكبرياء وإيذاناً بالاستغناء عن الإسناد إلى الفاعل لتعينه، وعن الحسن أنه قرأ كذلك إلا أنه جاء بالياء آخر الحروف بدل التاء، وقرأ أبـي (سيرت الجبال) بالماضي المبني للمفعول ورفع الجبال، وقرأ ابن محيصن ومحبوب عن أبـي عمرو { تسير الجبال } بالمضارع المفتتح بالتاء المثناة من فوق المبني للفاعل ورفع الجبال.

{ وَتَرَى ٱلأَرْضَ } خطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يتأتى منه الرؤية أي وترى جميع جوانب الأرض { بَارِزَةً } بادية ظاهرة أما ظهور ما كان منها تحت الجبال فظاهر، وأما ماعداه فكانت الجبال تحول بينه وبين الناظر قبل ذلك أو تراها بارزة لذهاب جميع ما عليها من الجبال والبحار والعمران والأشجار وإنما اقتصر على زوال الجبال لأنه يعلم منه زوال ذلك بطريق الأولى، وقيل: إسناد البروز إلى الأرض مجاز، والمراد ترى أهل الأرض بارزين من بطنها وهو خلاف الظاهر. وقرأ عيسى { وَتَرَى ٱلأَرْضَ } ببناء الفعل للمفعول ورفع الأرض.

{ وَحَشَرْنَـٰهُمْ } أي جمعناهم إلى الموقف من كل أوب بعد أن أقمناهم من قبورهم ولم يذكر لظهور إرادته، وعلى ما قبل يكون ذلك مذكوراً.

السابقالتالي
2