الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً }

{ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } أي اذكر لهم ما يشبهها في زهرتها ونضارتها وسرعة زوالها لئلا يغتروا بها ولا يضربوا عن الآخرة صفحاً بالمرة أو اذكر لهم صفتها العجيبة التي هي في الغرابة كالمثل وبينها لهم { كَمَاء } استئناف لبيان المثل أي هي كماء { أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاء } وجوزوا أن يكون مفعولاً ثانياً لاضرب على أنه بمعنى صير. وتعقب بأن الكاف تنبو عنه إلا أن تكون مقحمة. ورد بأنه مما لا وجه لأن المعنى صير المثل هذا اللفظ فالمثل بمعنى الكلام الواقع فيه التمثيل. وقال الحوفي: الكاف متعلقة بمحذوف صفة لمصدر محذوف أي ضرباً كماء وليس بشيء.

{ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } أي فاشتبك وخالط بعضه بعضاً لكثرته وتكاثفه بسبب كثرة سقي الماء إياه أو المراد فدخل الماء في النبات حتى روى ورف، وكان الظاهر في هذا المعنى فاختلط بنبات الأرض لأن / المعروف في عرف اللغة والاستعمال دخول الباء على الكثير الغير الطارىء وإن صدق بحسب الوضع على كل من التداخلين أنه مختلط ومختلط به إلا أنه اختير ما في النظم الكريم للمبالغة في كثرة الماء حتى كأنه الأصل الكثير ففي الكلام قلب مقبول { فَأَصْبَحَ } ذلك النبات الملتف إثر بهجته ونضارته { هَشِيمًا } أي يابساً متفتتاً، وهو فعيل بمعنى مفعول، وقيل جمع هشيمة وأصبح بمعنى صار فلا يفيد تقييد الخبر بالصباح كما في قوله:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا   أملك رأس البعير إن نفرا
وقيل هي على ظاهرها مفيدة لتقييد الخبر بذلك لأن الآفات السماوية أكثر ما تطرق ليلاً. وتعقب بأنه ليس في الآية ما يدل على أن اتصافه بكونه هشيماً لآفة سماوية بل المراد بيان ما يؤول إليه بعد النضارة من اليبس والتفتت كقوله تعالى:وَٱلَّذِى أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ * فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَىٰ } [الأعلى: 4-5] { تَذْرُوهُ ٱلرّياحُ } أي تفرقه كما قال أبو عبيدة، وقال الأخفش: ترفعه، وقال ابن كيسان: تجيء به وتذهب. وقرأ ابن مسعود { تذريه } من أذرى رباعياً وهو لغة في ذرى. وقرأ زيد بن علي والحسن والنخعي والأعمش وطلحة وابن أبـي ليلى وابن محيصن وخلف وابن عيسى وابن جرير { تذروه ٱلريح } بالإفراد، وليس المشبه به نفس الماء بل هو الهيئة المنتزعة من الجملة وهي حال النبات المنبت بالماء يكون أخضر مهتزاً ثم يصير يابساً تطيره الرياح حتى كأنه لم يكن، وعبر بالفاء في الآية للإشعار بسرعة زواله وصيرورته بتلك الصفة فليست فصيحة، وقيل هي فصيحة والتقدير فزها ومكث مدة فأصبح هشيماً.

{ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء } من الأشياء التي من جملتها الإنشاء والإفناء { مُّقْتَدِرًا } كامل القدرة.