الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً }

{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } أهلك أمواله المعهودة من جنتيه وما فيهما، وهو مأخوذ من إحاطة العدو وهي استدارته به من جميع جوانبه استعملت في الاستيلاء والغلبة ثم استعملت في كل هلاك. وذكر الخفاجي أن في الكلام استعارة تمثيلية شبه إهلاك جنتيه بما فيهما بإهلاك قوم حاط بهم عدو وأوقع بهم بحيث لم ينج أحد منهم، ويحتمل أن تكون الاستعارة تبعية، وبعض يجوز كونها تمثيلية تبعية انتهى. وجعل ذلك من باب الكناية أظهر. والعطف على مقدر كأنه قيل: فوقع بعض ما ترجى وأحيط الخ وحذف لدلالة السابق والسياق عليه. واستظهر أن الإهلاك كان ليلاً لقوله تعالى: { فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ } ويحتمل أن تكون أصبح بمعنى صار فلا تدل على تقييد الخبر بالصباح، ويجري هذان الأمران فيتُصْبِحَ } [الكهف: 40] ويُصْبِحَ } [الكهف: 41] السابقين، ومعنى تقليب الكفين على ما استظهره أبو حيان أن يبدي بطن كل منهما ثم يعوج يده حتى يبدو ظهر كل يفعل ذلك مراراً، وقال غير واحد: هو أن يضع باطن إحداهما على ظهر الأخرى ثم يعكس الأمر ويكرر ذلك، وأياً ما كان فهو كناية عن الندم والتحسر وليس ذلك من قولهم: قلبت الأمر ظهراً لبطن كما في قول عمرو بن ربيعة:
/ وضربنا الحديث ظهراً لبطن   وأتينا من أمرنا ما اشتهينا
فإن ذلك مجاز عن الانتقال من بعض الأحاديث إلى بعض. ولكونه كناية عن الندم عدي بعلىٰ في قوله تعالى: { عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا } فالجار والمجرور ظرف لغو متعلق بيقلب كأنه قيل فأصبح يندم على ما أنفق، ومنه يعلم أنه يجوز في الكناية أن تعدى بصلة المعنى الحقيقي كما في قولهم: بنى عليها وبصلة المعنى الكنائي كما هنا فيجوز بنى بها ويكون القول بأنه غلط غلط. ويجوز أن يكون الجار والمجرور ظرفاً مستقراً متعلقه خاص وهو حال من ضمير { يُقَلّبُ } أي متحسراً على ما أنفق وهو نظراً إلى المعنى الكنائي حال مؤكدة على ما قيل لأن التحسر والندم بمعنى، وقال بعضهم: إن التحسر الحزن وهو أخص من الندم فليراجع. وأياً ما كان فلا تضمين في الآية كما توهم. وقرىء { تقلب كفّاه } أي تتقلب، ولا يخفى عليك أمر الجار والمجرور على هذا. و(ما) إما مصدرية أي على إنفاقه في عمارتها، وإما موصولة أي على الذي أنفقه في عمارتها من المال، ويقدر على هذا مضاف إلى الموصول من الأفعال الاختيارية إذا كان متعلق الجار { يُقَلّبُ } مراداً منه يندم لأن الندم إنما يكون على الأفعال الاختيارية، ويعلم من هذا وجه تخصيص الندم على ما أنفق بالذكر دون هلاك الجنة ((وقيل: لعل التخصيص لذلك ولأن ما أنفق في عمارتها كان مما يمكن صيانته عن طوارق الحدثان وقد صرفه إلى مصالحها رجاء أن يتمتع بها أكثر مما يتمتع به وكان يرى أنه لا تنالها أيدي الردى ولذلك قال:

السابقالتالي
2