{ قَالَ لَهُ صَـٰحِبُهُ } استئناف كما سبق { وَهُوَ يُحَـٰوِرُهُ } جملة حالية كالسابقة، وفائدتها التنبيه من أول الأمر على أن ما يتلوها كلام معتنى بشأنه مسوق للمحاورة. وقرأ أبـي وحمل ذلك على التفسير (وهو يخاصمه) { أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ } أي في ضمن خلق أصلك منه وهو آدم عليه السلام لما أن خلق كل فرد من أفراد البشر له حظ من خلقه عليه السلام إذ لم تكن فطرته الشريفة مقصورة على نفسه بل كانت أنموذجاً منطوياً على فطرة سائر أفراد الجنس انطواءً إجمالياً مستتبعاً لجريان آثارها على الكل فإسناد الخلق من تراب إلى ذلك الكافر حقيقة باعتبار أنه مادة أصله، وكون ذلك مبنياً على صحة قياس المساواة خيال واه. وقيل خلقك منه لأنه أصل مادتك إذ ماء الرجل يتولد من أغذية راجعة إلى التراب فالإسناد مجاز من إسناد ما للسبب إلى المسبب فتدبر. { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } هي مادتك القريبة فالمخلوق واحد والمبدأ متعدد. ونقل أنه ما من نطفة قدر الله تعالى أن يخلق منها بشراً إلا وملك موكل بها يلقى فيها قليلاً من تراب ثم يخلق الله تعالى منها ما شاء من ذكر أو أنثى. وتعقبه في «البحر» بأنه يحتاج إلى ثبوت صحته. وأنا أقول: غالب ظني أني وقفت على تصحيحه لكن في تخريج الآية عليه كلام لا يخفى { ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } عدلك وكملك إنساناً ذكراً؛ وأصل معنى التسوية جعل الشيء سواء أي مستوياً كما فيما{ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } [النساء: 42] ثم إنه يستعمل تارة بمعنى الخلق والإيجاد كما في قوله تعالى:{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } [الشمس: 7] فإذا قرن بالخلق والإيجاد كما هنا فالمراد به الخلق على أتم حال وأعدله حسبما تقتضيه / الحكمة بدون إفراط ولا تفريط. ونصب { رَجُلاً } على ما قال أبو حيان على الحال وهو محوج إلى التأويل. وقال الحوفي: نصب على أنه مفعول ثان لسوى، والمراد ثم جعلك رجلاً. وفيه على ما قيل تذكير بنعمة الرجولية أي جعلك ذكراً ولم يجعلك أنثى. والظاهر أن نسبة الكفر بالله تعالى إليه لشكه في البعث وقوله:{ مَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } [الكهف: 36] والشاك في البعث كما في «الكشف» كافر من أوجه الشك في قدرته تعالى وفي إخباره سبحانه الصدق وفي حكمته ألا ترى إلى قوله عز وجل{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } [المؤمنون: 115] وهذا هو الذي يقتضيه السياق لأن قوله: { أَكَفَرْتَ } الخ وقع رداً لقوله:{ مَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } [الكهف: 36] ولذلك رتب الإنكار بخلقه من تراب ثم من نطفة الملوح بدليل البعث وعليه أكثر المفسرين ونوقشوا فيه. وقال بعضهم: الظاهر إنه كان مشركاً كما يدل عليه قول صاحبه تعريضاً به{ وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا } [الكهف: 38] وقوله:{ يٰلَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا } [الكهف: 42] وليس في قوله:{ لئن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبّى } [الكهف: 36] ما ينافيه لأنه على زعم صاحبه كما مر مع أن الإقرار بالربوبية لا ينافي الإشراك فعبدة الأصنام مقرون بها وهم مشركون فالمراد بقوله: { أَكَفَرْتَ } أأشركت اهـ، وسيأتي إن شاء الله تعالى بعض ما يتعلق به. وقرأ ثابت البناني وحمل ذلك على التفسير كنظائره المتقدمة (ويلك أكفرت).