الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ نِعْمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً }

ولعل الأولى كون الخبر جملة قوله تعالى: { أُوْلَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } وجملةإِنَّا } [الكهف: 30] الخ معترضة، ونحو هذا من الاعتراض كما قال ابن عطية وغيره قوله:
إن الخليفة إن الله ألبسه   سربال ملك به ترجى الخواتيم
وأنت تعلم أن الاعتراض فيه غير متعين أيضاً، وعلى الاحتمال السابق يحتمل أن تكون هذه الجملة مستأنفة لبيان الأجر ويحتمل أن تكون خبراً بعد خبر على مذهب من لا يشترط في تعدد الأخبار كونها في معنى خبر واحد / وهو الحق أي أولئك المنعوتون بالنعوت الجليلة لهم جنات إقامة على أن العدن بمعنى الإقامة والاستقرار يقال عدن بالمكان إذا قام فيه واستقر ومنه المعدن لاستقرار الجواهر فيه. وعن ابن مسعود عدن جنة من الجنان وهي بطنانها. ووجه إضافة الجنان إليها بأنها لسعتها كأن كل ناحية منها جنة { تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَـٰرُ } وهم في الغرفات آمنون { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } من الأولى للابتداء والثانية للبيان، والجار والمجرور في موضع صفة لأساور، وهذا ما اختاره الزمخشري وغيره. وجوز أبو البقاء في الأولى أن تكون زائدة في المفعول على قول الأخفش، ويدل عليه قوله تعالى:وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ } [الإنسان: 21] وأن تكون بيانية أي شيئاً أو حلياً من أساور. وجوز غيره فيها أن تكون تبعيضية واقعة موقع المفعول كما جوز هو وغيره ذلك في الثانية، وجوز فيها أيضاً أن تتعلق بيحلون وهو كما ترى. والأساور جمع أسورة جمع سوار بالكسر والضم وهو ما في الذراع من الحلي وهو عربـي، وقال الراغب: معرب دستواره، وقيل جمع أسوار جمع سوار وأصله أساوير فخفف بحذف يائه فهو على القولين جمع الجمع، ولم يجعلوه من أول الأمر جمع سوار لما رأوا أن فعالاً لا يجمع على أفاعل في القياس. وعن عمرو بن العلاء أن الواحد اسوار، وأنشد ابن الأنباري:
والله لولا صبية صغار   كأنما وجوههم أقمار
تضمهم من العتيك دار   أخاف أن يصيبهم إقتار
أو لاطم ليس له اسوار   لما رآني ملك جبار
ببابه ما وضح النهار   
وفي «القاموس» ((السوار ككتاب وغراب القُلْبُ كالأُسوار والجمع أسورة وأساور وأساورة وسُور وسؤور)) وهو موافق لما نقل عن ابن العلاء. ونقل ذلك أيضاً عن قطرب وأبـي عبيدة. ونكرت لتعظيم حسنها من الإحاطة، وقد أخرج ابن مردويه عن سعد عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن رجلاً من أهل الجنة اطلع فبدت أساوره لطمس ضوؤه ضوء الشمس كما تطمس ضوء النجوم " وأخرج الطبراني في «الأوسط» والبيهقي في «البعث» عن أبـي هريرة أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن أدنى أهل الجنة حلية عدلت حليته بحلية أهل الدنيا جميعاً لكان ما يحليه الله تعالى به في الآخرة أفضل من حلية أهل الدنيا جميعاً "

السابقالتالي
2 3 4