الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً }

قال في «الكشف»: فعلى هذا قوله تعالى: { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } تقرير لكون المدة المضروب فيها على آذانهم هي هذه المدة كأنه قيل قل الله أعلم بما لبثوا وقد أعلم فهو الحق الصحيح الذي لا يحوم حوله شك قط، وفائدة تأخير البيان التنبيه على أنهم تنازعوا في ذلك أيضاً لذكره عقيب اختلافهم في عدة أشخاصهم وليكون التذييل بقل الله أعلم محاكياً للتذييل بقوله سبحانه:قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم } [الكهف: 22] وللدلالة على أنه من الغيب الذي أخبر به عليه الصلاة والسلام ليكون معجزاً له، / ولو قيل: فضربنا على آذانهم سنين عدداً وأتى به مبيناً أولاً لم يكن فيه هذه الدلالة البتة، فهذه عدة فوائد والأصل الأخيرة انتهى. ويحتاج على هذا إلى بيان وجه العدول عن المتبادر وهو ثلثمائة وتسع سنين مع أنه أخصر وأظهر فقيل هو الإشارة إلى أنها ثلثمائة بحساب أهل الكتاب واعتبار السنة الشمسية وثلثمائة وتسع بحساب العرب واعتبار السنة القمرية فالتسع مقدار التفاوت، وقد نقله بعضهم عن علي كرم الله تعالى وجهه.

واعترض بأن دلالة اللفظ على ما ذكر غير ظاهرة مع أنه لا يوافق ما عليه الحساب والمنجمون كما قاله الإمام لأن السنة الشمسية ثلثمائة وخمس وستون يوماً وخمس ساعات وتسع وأربعون دقيقة على مقتضى الرصد إلايلخاني والسنة القمرية ثلثمائة وأربعة وخمسون يوماً وثمان ساعات وثمان وأربعون دقيقة فيكون التفاوت بينهما عشرة أيام وإحدى وعشرين ساعة ودقيقة واحدة وإذا كان هذا تفاوت سنة كان تفاوت مائة ألف يوم وسبعة وثمانين يوماً وثلاثة عشرة ساعة وأربع دقائق وهي ثلاثة سنين وأربعة وعشرون يوماً وإحدى عشرة ساعة وست عشرة دقيقة فيكون تفاوت ثلثمائة سنة تسع سنين وثلاثاً وسبعين يوماً وتسع ساعات وثمانياً وأربعين دقيقة ولذا قيل إن روايته عن علي كرم الله تعالى وجهه لم تثبت.

وبحث فيه الخفاجي بأن وجه الدلالة فيه ظاهر لأن المعنى لبثوا ثلثمائة سنة على حساب أهل الكتاب الذين علموا قومك السؤال عن شأنهم وتسعاً زائدة على حساب قومك الذين سألوك عن ذلك، والعدول عن الظاهر يشعر به، ودعوى أن التفاوت تسع سنين مبنية على التقريب لأن الزائد لم يبلغ نصف سنة بل ولا فصلاً من فصولها فلم يعبأ به، وكون التفاوت تسعاً تقريباً جار على سائر الأقوال في مقدار السنة الشمسية والسنة القمرية إذ التفاوت في سائرها لا يكاد يبلغ ربعاً فضلاً عن نصف.

وقال الطيبـي في توجيه العدول: إنه يمكن أن يقال: لعلهم لما استكملوا ثلثمائة سنة قربوا من الانتباه ثم اتفق ما أوجب بقاءهم نائمين تسع سنين. وتعقب بأن هذا يقتضي أن يكون المراد وازدادوا نوماً أي قوي نومهم في تسع سنين ولا يخفى ما فيه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7