الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً }

{ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } استثناء متعلق بالنهي على ما اختاره جمع من المحققين، وقول ابن عطية اغتراراً برد / الطبري ((إنه من الفساد بحيث كان الواجب أن لا يحكى)) خروج عن الإنصاف، وهو مفرغ من أعم الأحوال. وفي الكلام تقدير باء للملابسة داخلة على أن والجار والمجرور في موضع الحال أي لا تقولن ذلك في حال من الأحوال إلا حال ملابسته بمشيئة الله عز وجل بأن تذكر. قال في «الكشف»: إن التباس القول بحقيقة المشيئة محال فبقي أن يكون بذكرها وهو إن شاء الله تعالى ونحوه مما يدل على تعليقه الأمور بمشيئة الله تعالى. ورد بما يصلح أن يكون تأييداً لا رداً، وجوز أن يكون المستثنى منه أعم الأوقات أي لا تقولن ذلك في وقت من الأوقات إلا في وقت مشيئة الله تعالى ذلك القول منك، وفسرت المشيئة على هذا بالإذن لأن وقت المشيئة لا يعلم إلا بإعلامه تعالى به وإذنه فيه فيكون مآل المعنى لا تقولن إلا بعد أن يؤذن لك بالقول. وجوز أيضاً أن يكون الاستثناء منقطعاً، والمقصود منه التأبيد أي ولا تقولن ذلك أبداً، ووجه ذلك في «الكشف» بأنه نهي عن القول إلا وقت مشيئة الله تعالى وهي مجهولة فيجب الانتهاء أبداً، وأشار إلى أنه هو مراد الزمخشري لا ما يتوهم من جعله مثل قوله تعالى:وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء ٱللَّهُ } [الأعراف: 89] من أن التأبيد لعدم مشيئته تعالى فعل ذلك غداً لقبحه كالعود في ملة الكفر لأن القبح فيما نحن فيه على إطلاقه غير مسلم، والتخصيص بما يتعلق بالوحي على معنى لا تقولن فيما يتعلق بالوحي إني أخبركم به إلا أن يشاء الله تعالى والله تعالى لم يشأ أن تقوله من عندك فإذاً لا تقولنه أبداً يأباه النكرة في سياق النهي المتضمن للنفي والتقييد بالمستقبل، وأن قوله:فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } [الكهف: 23] أي مخبر عن أمر يتعلق بالوحي غداً غير مؤذن بأن قوله في الغد يكون من عنده لا عن وحي فالتشبيه في أن الاستثناء بالمشيئة استعمل في معرض التأبيد وإن كان وجه الدلالة مختلفاً أخذاً من متعلق المشيئة تارة ومن الجهل بها أخرى، ولا يخفى أن الظاهر في الآية الوجه الأول وأن أمته صلى الله عليه وسلم وهو في الخطاب الذي تضمنته سواء مخصوصاً بالنبـي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يكون الاستثناء متعلقاً بقوله تعالى:إِنّى فَاعِلٌ } [الكهف: 23] بأن يكون استثناء مفرغاً مما في حيزه من أعم الأحوال أو الأوقات لأنه حينئذ إما أن تعتبر تعلق المشيئة بالفعل فيكون المعنى إني فاعل في كل حال أو في كل وقت إلا في حال أو وقت مشيئة الله تعالى الفعل وهو غير سديد أو يعتبر تعلقها بعدمه فيكون المعنى إني فاعل في كل حال أو في كل وقت إلا في حال أو وقت مشيئة الله تعالى عدم الفعل، ولا شبهة في عدم مناسبته للنهي بل هو أمر مطلوب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6