الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً }

{ قَيِّماً } أي مستقيماً كما أخرجه ابن المنذر عن الضحاك وروي أيضاً عن ابن عباس. والمراد مما قبل أنه لا خلل في لفظه ولا في معناه، والمراد من هذا أنه معتدل لا إفراط فيما اشتمل عليه من التكاليف حتى يشق على العباد ولا تفريط فيه بإهمال ما يحتاج إليه حتى يحتاج إلى كتاب آخر كما قال سبحانه:مَّا فَرَّطْنَا فِى ٱلكِتَـٰبِ مِن شَىْء } [الأنعام: 38] ولذا كان آخر الكتب المنزل على خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام. وقيل المراد منه ما أريد مما قبله وذكره للتأكيد. وقال الفراء: المراد قيماً على سائر الكتب السماوية شاهداً بصحتها. وقال أبو مسلم: المراد قيماً بمصالح العباد متكفلاً بها وببيانها لهم لاشتماله على ما ينتظم به المعاش والمعاد وهو على هذين القولين تأسيس أيضاً لا تأكيد فكأنه قيل كتَاباً صادقاً في نفسه مصدقاً لغيره أو كتاباً خالياً عن النقائص حالياً بالفضائل وقيل المراد على الأخير أنه كامل في نفسه ومكمل لغيره.

ونصبه بمضمر أي جعله قيماً على أن الجملة مستأنفة أو جعله قيماً على أنها معطوفة على ما قبل إلا أنه قيل إن حذف حرف العطف مع المعطوف تكلفّ. وكان حفص يسكت على { عِوَجَا } سكتة خفيفة ثم يقول { قَيِّماً }. واختار غير واحد أنه على الحال من الضمير فيلَهُ } [الكهف: 1] أي لم يجعل له عوجاً حال كونه مستقيماً ولا عوج فيه على ما سمعت أولاً من معنى المستقيم إذ محصله أنه تعالى صانه عن الخلل في اللفظ والمعنى حال كونه خالياً عن الإفراط والتفريط، وكذا على القولين الأخيرين. نعم قيل: إن جعله حالاً من الضمير مع تفسير المستقيم بالخالي عن العوج ركيك. وتعقبه بعضهم بأنه تندفع الركاكة بالحمل على الحال المؤكدة كما في قوله تعالى:ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [التوبة: 25] وفيه بحث. وجوز أن يكون حالاً منٱلكِتَـٰبَ } [الكهف: 1]، واعترض بأنه يلزم حينئذ العطف قبل تمام الصلة لأن الحال بمنزلة جزء منها. وأجيب بأنه يجوز أن يجعلوَلَمْ يَجْعَل } [الكهف: 1] الخ من تتمة الصلة الأولى على أنه عطف بياني حيث قال تعالى:أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الكتاب } [الكهف: 1] الكامل في بابه عقبه بقوله سبحانه:وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } [الكهف: 1] فحينئذ لا يكون الفصل قبل تمام الصلة، وهو نظير قوله تعالى:وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة: 217] على قول. وأيضاً يجوز أن يكون الواو فيوَلَمْ يَجْعَل } [الكهف: 1] للحال والجملة بعده حال منٱلْكِتَـٰبِ } [الكهف: 1] كقيما واختاره الأصبهاني. وقال أبو حيان: إن ذاك على مذهب من يجوز وقوع حالين من ذي حال واحد بغير عطف وكثير من أصحابنا على منعه. وقال آخر: إن قياس قول الفارسي في الخبر أنه لا يتعدد مختلفاً بالأفراد والجملية أن يكون الحال كذلك.

السابقالتالي
2 3