الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً }

{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ } بيان لحالهم بعد ما أووا إلى الكهف ولم يصرح سبحانه به تعويلاً على ما سبق من قوله تعالى:إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ } [الكهف: 10] وما لحق من إضافة الكهف إليهم وكونهم في فجوة منه، وجوز أن يكون إيذاناً بعدم الحاجة إلى التصريح لظهور جريانهم على موجب الأمر لكونه صادراً عن رأي صائب وقد حذف سبحانه وتعالى أيضاً جملاً أخرى لا تخفى. والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يصلح له وهو للمبالغة في الظهور وليس المراد الإخبار بوقوع الرؤية بل الإنباء بكون الكهف لو رأيته ترى الشمس { إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ } / أي تتنحى وأصله تتزاور بتاءين فحذف أحدهما تخفيفاً وهي قراءة الكوفيين والأعمش وطلحة وابن أبـي ليلى وخلف وابن سعدان وأبـي عبيدة وأحمد بن جبير الأنطاكي ومحمد بن عيسى الأصبهاني، وقرأ الحرميان وأبو عمرو { تزاور } بفتح التاء وتشديد الزاي، وأصله أيضاً تتزاور إلا أنه أدغمت التاء في الزاي بعد قلبها زاياً، وقرأ ابن أبـي إسحاق وابن عامر وقتادة وحميد ويعقوب عن العمري { تزور } كتحمر وهو من بناء الأفعال من غير العيوب والألوان، وقد جاء ذلك نادراً. وقرأ جابر والجحدري وأبو رجاء والسختياني وابن أبـي عبلة ووردان عن أبـي أيوب { تزوار } كتحمار وهو في البناء كسابقه، وقرأ ابن مسعود وأبو المتوكل { تزوئر } بهمزة قبل الراء المشددة كتطمئن، ولعله إنما جيء بالهمزة فراراً من التقاء الساكنين وإن كان جائزاً في مثل ذلك مما كان الأول حرف مد والثاني مدغماً في مثله وكلها من الزور بفتحتين مع التخفيف وهو الميل، وقيده بعضهم بالخلقى، والأكثرون على الإطلاق ومنه الأزور المائل بعينه إلى ناحية ويكون في غير العين قال ابن أبـي ربيعة:
وجنبي خيفة القرم أزور   
وقال عنترة:
فازور من وقع القنا بلبانه   وشكا إليَّ بعبرة وتحمحم
وقال بشر بن أبـي خازم
تؤم بها الحداة مياه نخل   وفيها عن أبانين ازورار
ومنه زاره إذا مال إليه، والزور أي الكذب لميله عن الواقع وعدم مطابقته، وكذا الزور بمعنى الصنم في قوله:
جاءوا بزوريهم وجئنا بالأصم   
وقال الراغب: إن الزور بتحريك الواو ميل في الزور بتسكينها وهو أعلى الصدر، والأزور المائل الزور أي الصدر وزرت فلاناً تلقيته بزوري أو قصدت زوره نحو وجهته أي قصدت وجهه، والمشهور ما قدمناه. وحكي عن أبـي الحسن أنه قال: لا معنى لتزور في الآية لأن الازوار الانقباض، وهو طعن في قراءة ابن عامر ومن معه بما يوجب تغيير الكنية، وبالجملة المراد إذا طلعت تزوغ وتميل.

{ عَن كَهْفِهِمْ } الذي أووا إليه فالإضافة لأدنى ملابسة { ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } أي جهة ذات يمين الكهف عنه توجه الداخل إلى قعره أي جانبه الذي يلي المغرب أو جهة ذات يمين الفتية ومآله كسابقه، وهو نصب على الظرفية.

السابقالتالي
2 3