الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً }

{ قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ } أي جنس البحر { مِدَاداً } هو في الأصل اسم لكل ما يمد به الشيء واختص في العرف لما تمد به الدواة من الحبر { لّكَلِمَـٰتِ رَبّى } أي معداً لكتابة كلماته تعالى، والمراد بها كما روي عن قتادة معلوماته سبحانه وحكمته عز وجل { لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ } مع كثرته ولم يبق منه شيء لتناهيه { قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـٰتُ رَبّى } لعدم تناهيها { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } عوناً وزيادة لأن مجموع / المتناهيين متناه بل جميع ما يدخل في الوجود على التعاقب أو الاجتماع متناه ببرهان التطبيق وغيره من البراهين، وهذا كلام من جهته تعالى شأنه غير داخل في الكلام الملقن جيء به لتحقيق مضمونه وتصديق مدلوله على أتم وجه، والواو لعطف الجملة على نظيرتها المستأنفة المقابلة لها المحذوفة لدلالة المذكور عليها دلالة واضحة أي لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته تعالى لو لم نجيء بمثله مدداً ولو جئنا بمثله مدداً، والكلام في جواب { لَوْ } مشهور وليس قوله تعالى: { قَبْلَ أَن تَنفَدَ } للدلالة على أن ثم نفاداً في الجملة محققاً أو مقدراً لأن المراد منه لنفد البحر وهي باقية إلا أنه عدل إلى المنزل لفائدة المزاوجة وان ما لا ينفد عند العقول العامية ينفد دون نفادها وكلما فرضت من المد فكذلك والمثل للجنس شائع على أمثال كثيرة تفرض كل منها مدداً، وهذا كما في «الكشف» أبلغ من وجه من قوله تعالى:وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } [لقمان: 27] وذلك أبلغ من وجه آخر وهو ما في تخصيص هذا العدد من النكتة ولم يرد تخصيص العدة ثم فيه زيادة تصوير لما استقر في عقائد العامة من أنها سبعة حتى إذا بالغوا فيما يتعذر الوصول إليه قالوا هو خلف سبعة أبحر، وفي إضافة الكلمات إلى اسم الرب المضاف إلى ضميره صلى الله عليه وسلم في الموضعين من تفخيم المضاف وتشريف المضاف إليه ما لا يخفى، وإظهار البحر والكلمات في موضع الإضمار لزيادة التقرير، ونصب { مَدَداً } على التمييز كما في قوله:
فإن الهوى يكفيكه مثله صبرا   
وجوز أبو الفضل الرازي نصبه على المصدر على معنى ولو أمددنا بمثله إمداداً وناب المدد عن الإمداد على حد ما قيل في قوله تعالى:وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [نوح: 17] وفيه تكلف.

وقرأ حمزة والكسائي وعمرو بن عبيد والأعمش وطلحة وابن أبـي ليلى { قبل أن ينفد } بالياء آخر الحروف، وقرأ السلمي { أن تنفد } بالتشديد على تفعل على المضي وجاء كذلك عن عاصم وأبـي عمرو فهو مطاوع نفد مشدداً نحو كسرته فتكسر. وقرأ الأعرج { بمثله مدداً } بكسر الميم على أنه جمع مدة وهو ما يستمده الكاتب فيكتب به، وقرأ ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والأعمش بخلاف والتيمي وابن محيصن وحميد والحسن في رواية وأبو عمرو كذلك وحفص كذلك أيضاً { مداداً } بألف بين الدالين وكسر الميم.

السابقالتالي
2