الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } بيان بطريق الوعد لمآل الذين اتصفوا بأضداد ما اتصف به الكفرة إثر بيان مآلهم بطريق الوعيد أي إن الذين آمنوا بآيات ربهم ولقائه سبحانه. { وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ } من الأعمال { كَانَتْ لَهُمْ } فيما سبق من حكم الله تعالى ووعده فالمضي باعتبار ما ذكر. وفيه على ما قال شيخ الإسلام إيماء إلى أن أثر الرحمة يصل إليهم بمقتضى الرأفة الأزلية بخلاف ما مر من جعل جهنم للكافرين نزلاً فإنه بموجب ما حدث من سوء اختيارهم، وقيل: يجوز أن يكون ما وعدوا به لتحققه نزل منزلة الماضي فجيء بكان إشارة إلى ذلك. ولم يقل أعتدنا لهم كما قيل فيما مر للإشارة إلى أن أمر الجنات لا يكاد يتم بل لا يزال ما فيها يزداد فإن إعتاد الشيء وتهيئته يقتضي تمامية / أمره وكماله. وقد جاء في الآثار أنه يغرس للمؤمن بكل تسبيحة يسبحها شجرة في الجنة، وقيل: التعبير بما ذكر أظهر في تحقق الأمر من التعبير بالإعتاد ألا ترى أنه قد تهيأ دار لشخص ولا يسكنها ولا يخلو عن لطف فافهم.

{ جَنَّـٰتُ ٱلْفِرْدَوْسِ } أخرج ابن المنذر وابن أبـي حاتم عن مجاهد أن الفردوس هو البستان بالرومية، وأخرج ابن أبـي حاتم عن السدي أنه الكرم بالنبطية وأصله فرداسا، وأخرج ابن أبـي شيبة وغيره عن عبد الله بن الحرث أن ابن عباس سأل كعباً عن الفردوس فقال: جنة الأعناب بالسريانية، وقال عكرمة: هي الجنة بالحبشية، وقال القفال: هي الجنة الملتفة بالأشجار، وحكى الزجاج أنها الأودية التي تنبت ضروباً من النبات، وقال المبرد: هي فيما سمعت من العرب الشجر الملتف والأغلب عليه العنب. ونص الفراء على أنه عربـي أيضاً ومعناه البستان الذي فيه كرم وهو مما يذكر ويؤنث، وزعم بعضهم أنها لم تسمع في كلام العرب إلا في قول حسان:
وإن ثواب الله كل موحد   جنان من الفردوس فيها يخلَّد
وهو لا يصح فقد قال أمية بن أبـي الصلت:
كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة   فيها الفراديس ثم الفوم والبصل
وجاء في شعر جرير في أبيات يمدح بها خالد بن عبد الله القسري حيث قال:
وإنا لنرجو أن نرافق رفقة   يكونون في الفردوس أول وارد
ومما سمعه أهل مكة قبل إسلام سعد قول هاتف:
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا   على الله في الفردوس منية عارف
والحق أن ذكرها في شعر الإسلاميين كثير وفي شعر الجاهليين قليل، وأخرج البخاري ومسلم وابن أبـي حاتم عن أبـي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنها تفجر أنهار الجنة "

السابقالتالي
2