الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً }

{ أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي كفروا بـي كما يعرب عنه قوله تعالى: { عِبَادِى } والحسبان بمعنى الظن، وقد قرأ عبد الله { أفظن } والهمزة للإنكار والتوبيخ على معنى إنكار الواقع واستقباحه. والفاء للعطف على مقدر يفصح عنه الصلة على توجيه الإنكار والتوبيخ وإلى المعطوفين جميعاً على ما اختاره شيخ الإسلام. والمعنى أكفروا بـي مع جلالة شأني فحسبوا { أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي } من الملائكة وعيسى ونحوهم عليهم السلام من المقربين كما تشعر به الإضافة فإن الأكثر أن تكون في مثل هذا اللفظ لتشريف المضاف. واقتصر قتادة في المراد من ذلك على الملائكة؛ والظاهر إرادة ما يعمهم وغيرهم ممن ذكرنا واختاره أبو حيان / وغيره، وروي عن ابن عباس أن المراد منه الشياطين وفيه بعد ولعل الرواية لا تصح. وعن مقاتل أن المراد الأصنام وهو كما ترى، وجوز بعض المحققين أن يراد ما يعم المذكورين والأصنام وسائر المعبودات الباطلة من الكواكب وغيرها تغليباً. ولعل المقام يقتضي أن لا تكون الإضافة فيه للتشريف أي أفظنوا أن يتخذوا عبادي الذي هم تحت ملكي وسلطاني.

{ مِن دُونِى } أي مجاوزين لي { أَوْلِيَاء } أي معبودين أو أنصاراً لهم من بأسي. وما في حيز صلة (أن) قيل ساد مسد مفعولي (حسب) أي أفحسبوا أنهم يتخذونهم أولياء. وكأن مصب الإنكار أنهم يتخذونهم كذلك إلا أنه أقحم الحسبان للمبالغة، وقيل: المراد ما ذكر على معنى أن ذلك ليس من الاتخاذ في شيء لما أنه إنما يكون من الجانبين والمتخذون بمعزل عن ولايتهم لقولهم سبحانك أنت ولينا من دونهم، وقيل: (أن) وما بعدها في تأويل مصدر مفعول أول لحسب والمفعول الثاني محذوف أي أفحسبوا اتخاذهم نافعهم أو سبباً لرفع العذاب عنهم أو نحو ذلك. وهو مبني على تجويز حذف أحد المفعولين في باب علم وهو مذهب بعض النحاة، وتعقب بأن فيه تسليماً لنفس الاتخاذ واعتداداً به في الجملة والأولى ما خلا عن ذلك.

هذا وفي «الكشف» أن التحقيق أن قوله تعالى: { فحسب } معطوف على { كانت...وكانوا } [الكهف: 101] دلالة على أن الحسبان ناشىء عن التعامي والتصام وأدخل عليه همزة الإنكار ذماً على ذم وقطعاً له عن المعطوف عليهما لفظاً لا معنى للإيذان بالاستقلال المؤكد للذم كأنه قيل لا يزيلون ما بهم من مرضى الغشاوة والصمم ويزيدون عليهما الحسبان المترتب عليهما. وقوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } من وضع الظاهر مقام المضمر زيادة للذم انتهى. وفي «إرشاد العقل السليم» بعد نقل ما ذكر إلى قوله كأنه قيل الخ أنه يأبـى ذلك ترك الإضمار والتعرض لوصف آخر غير التعامي والتصام على انهما أخرجا مخرج الأحوال الجبلية لهم ولم يذكرا من حيث انهما من أفعالهم الاختيارية الحادثة كحسبانهم ليحسن تفريعه عليهما.

السابقالتالي
2