الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً }

{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي ألم يتفكروا ولم يعلموا أن الله تعالى الذي قدر على خلق هذه الأجرام والأجسام الشديدة العظيمة التي بعض ما تحويه البشر { قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } من الإنس أي ومن هو قادر على ذلك كيف لا يقدر على إعادتهم وهي أهون عليه جل وعلا. وقال بعض المحققين: مثل هنا مثلها في ـ مثلك لا يبخل ـ أي قادر على أن يخلقهم. والمراد بالخلق الإعادة كما عبر عنها أولاً بـ { ذٰلِكَ } حيث قيل:خَلْقاً جَدِيداً } [الإسراء: 98] ولا يخلو عن بعد. وزعم بعضهم أن المراد قادر على أن يخلق عبيداً آخرين يوحدونه تعالى، ويقرون بكمال حكمته وقدرته ويتركون ذكر هذه الشبهات الفاسدة كقوله تعالى:وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } [إبراهيم: 19] / وقوله سبحانه:وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ } [التوبة: 39] وفيه أنه لا يلائم السياق كما لا يخفى على ذوي الأذواق.

ثم اعلم أن ظاهر الآية أن الكفرة أنكروا إعادتهم يوم القيامة على معنى جمع أجزائهم المتفرقة وعظامهم المتفتتة وتأليفها وإفاضة الحياة عليها كما كانت في الدنيا فهو الذي عنوه بقولهمأَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } [الإسراء: 98] بعد قولهمأَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً } [الإسراء: 98] فرد عليهم بإثبات ذلك بطريق برهاني. وعلى هذا تكون الآية أحد أدلة من يقول: إن الحشر بإعادة أجزاء الأبدان التي تتفرق - كأبدان ما عدا الأنبياء عليهم السلام ومن لم يعمل خطيئة قط والمؤذنين احتساباً ونحوهم ممن حرمت أجسادهم على الأرض كما جاء في الأخبار - وجمعها بعد تفرقها وعنوا بذلك الأجزاء الأصلية وهي الحاصلة في أول الفطرة حال نفخ الروح وهي عندهم محفوظة من أن تصير جزءاً لبدن آخر فضلاً عن أن تصير جزأً أصلياً له، والذاهبون إلى هذا هم الأقل وحكاه الآمدي بصيغة قيل لكن رجحه الفخر الرازي وذكر أن الأكثر على أن الله سبحانه يعدم الذوات بالكلية ثم يعيدها وقال: إنه الصحيح، وكذا قال البدر الزركشي، وذكر اللقاني أنه قول أهل السنة والمعتزلة القائلين بصحة الفناء والعدم على الأجسام بل بوقوعه وإن اختلفوا في أن ذلك هل هو بحدوث ضد أو بانتفاء شرط أو بلا ولا فذهب إلى الأخير القاضي من أهل السنة وأبو الهذيل من المعتزلة قالا: إن الله تعالى يعدم ما يريد إعدامه على نحو إيجاده إياه فيقول له عند أبـي الهذيل افن فيفنى كما يقول له كن فيكون. وذهب جمهور المعتزلة إلى الأول فقالوا: إن فناء الجوهر بحدوث ضد له وهو الفناء ثم اختلفوا فذهب ابن الأخشيد إلى أن الله تعالى يخلق الفناء في جهة من جهات الجواهر فتعدم الجواهر بأسرها، وقال ابن شبيب: إنه تعالى يحدث في كل جوهر بعينه فناءً يقتضي عدم الجوهر في الزمان الثاني وذهب أبو علي وأبو هاشم وأتباعهما إلى أن الله تعالى يعدم الجوهر بخلق فناء لا في محل معين منه ثم اختلفا فقال أبو علي وأتباعه: إن الله سبحانه يخلق فناءً واحداً لا في محل فيفنى به الجواهر بأسرها وقال أبو هاشم وأتباعه إنه تعالى يخلق لكل جوهر فناء لا في محل.

السابقالتالي
2 3