الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً }

{ وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ } كلام مبتدأ غير داخل في حيزقُلْ } [الإسراء: 96] يفصل ما أشار إليه الكلام السابق من مجازاة العباد لما أن علمه تعالى في مثل هذا الموضع مستعمل بمعنى المجازاة أي من يهد الله تعالى إلى الحق { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } إليه وإلى ما يؤدي إليه من الثواب أو المهتد إلى كل مطلوب والأكثرون حذفوا ياء المهتدي { وَمَن يُضْلِلِ } يخلق فيه الضلال لسوء اختياره وقبح استعداده كهؤلاء المعاندين { فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء } أي أنصاراً { مِن دُونِهِ } عز وجل يهدونهم إلى طريق الحق أو إلى طريق يوصلهم إلى مطالبهم الدنيوية والأخروية أو إلى طريق النجاة من العذاب الذي يستدعيه ضلالهم على معنى لن تجد لأحد منهم ولياً على ما يقتضيه قضية مقابلة الجمع بالجمع من انقسام الآحاد على الآحاد على / ما هو المشهور. وقيل قال سبحانه { أَوْلِيَاء } مبالغة لأن الأولياء إذا لم تنفعهم فكيف الولي الواحد؟ وضمير { لَهُمْ } عائد على (من) باعتبار معناه كما أن { هُوَ } عائد عليه باعتبار لفظه فلذا أفرد الضمير تارة وجمع أخرى. وفي إيثار الإفراد والجمع فيما أوثرا فيه تلويح بوحدة طريق الحق وقلة سالكيه وتعدد سبل الضلال وكثرة الضلال. وذكر أبو حيان وتبعه بعضهم أن الجملة الثانية من المواضع التي جاء فيها الحمل على المعنى ابتداء من غير أن يتقدمه الحمل على اللفظ وهي قليلة في القرآن. وتعقب ذلك الخفاجي بأنه لا وجه له فإنه حمل فيها الضمير على اللفظ أولاً إذ في قوله تعالى: { يُضْلِلِ } ضمير محذوف مفرد إذ تقديره يضلله على الأصل وهو راجع إلى لفظ (من) فلا يقال إنه لم يتقدمه حمل على اللفظ ثم قال: وأغرب من ذلك ما قيل إنه قد يقال إن الحمل على اللفظ قد تقدمه في قوله سبحانه { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ } وإن كان في جملة أخرى اهـ. وفيه أن وجهه جعل أبـي حيان (من) مفعول { يُضْلِلِ } كما نص عليه في «البحر» وكذا نص على أنها في الجملة الأولى مفعول { يَهْدِ } وحيئنذٍ ليس هناك ضمير مفرد محذوف كما لا يخفى فتفطن. وجوز كون الجملتين داخلتين في حيزقُلْ } [الإسراء: 96] لمجيء { وَمَن } بالواو.

وقوله تعالى: { وَنَحْشُرُهُمْ } أوفق بالأول وفيه التفات من الغيبة إلى التكلم للإيذان بكمال الاعتناء بأمر الحشر، وعلى الاحتمال الثاني يجعل حكاية لما قاله الله تعالى له عليه الصلاة والسلام { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } حين يقومون من قبورهم { عَلَى وُجُوههمْ } في موضع الحال من الضمير المنصوب أي كائنين عليها إما مشياً بأن يزحفون منكبين عليها ويشهد له ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أنس قال: " قيل يا رسول الله كيف يحشر الناس على جوههم؟ قال الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم "

السابقالتالي
2 3 4