الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً }

{ قُلْ } لهم أولاً من قبلنا تبييناً للحكمة وتحقيقاً للحق المزيح للريب { لَّوْ كَانَ } أي لو وجد { فِى ٱلأَرْضِ } بدل البشر { مَلَـٰئِكَةٌ يَمْشُونَ } كما يمشي البشر ولا يطيرون إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب علمه { مُطْمَئِنّينَ } ساكنين مقيمين فيها، وقال الجبائي: أي مطمئنين إلى الدنيا ولذاتها غير خائفين ولا متعبدين بشرع لأن المطمئن من زال الخوف عنه { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ ٱلسَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً } يعلمهم ما لا تستقل قدرهم بعلمه ليسهل عليهم الاجتماع به والتلقي منه وأما عامة البشر فلا يسهل عليهم ذلك لبعد ما بين الملك وبينهم فلا يبعث إليهم وإنما يبعث إلى خواصهم لأن الله تعالى قد وهبهم نفوساً زكية وأيدهم بقوى قدسية وجعل لهم جهتين جهة ملكية بها من الملك يستفيضون وجهة بشرية بها على البشر يفيضون، وجعل كل البشر كذلك مخل بالحكمة، وإنزال الملك عليهم على وجه يسهل التلقي منه بأن يظهر لهم بصورة بشر كما ظهر جبريل عليه السلام مراراً في صورة دحية الكلبـي. وقد صح " أن أعرابياً جاء وعليه أثر السفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وغيرها فأجابه عليه الصلاة والسلام بما أجابه ثم انصرف ولم يعرفه أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم فقال صلى الله عليه وسلم «هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم " مما لا يجدي نفعاً لأولئك الكفرة كما قال تعالى جدهوَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَـٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [الأنعام: 9] وقيل علة تنزيل الملك عليهم أن الجنس إلى الجنس أميل وهو به آنس، ولعل الأول أولى وإن زعم خلافه. وحكى الطبرسي عن بعضهم أنه قال في الآية: إن العرب قالوا كنا ساكنين مطمئنين فجاء محمد صلى الله عليه وسلم فازعجنا وشوش علينا أمرنا فبين سبحانه أنه لو كان ملائكة مطمئنين لأوجبت الحكمة إرسال الرسل إليهم ولم يمنع اطمئنانهم الإرسال فكذلك الناس لا يمنع كونهم مطمئنين إرسال الرسل إليهم، وأنت تعلم أن هذا بمراحل عن السياق ولا يصح فيه أثر كما لا يخفى على المتتبع.

ونصب { مَلَكًا } يحتمل أن يكون على الحالية من { رَّسُولاً } الواقع مفعولاً لنزلنا وسوغ ذلك التقدم، ويحتمل أن يكون على المفعولية لنزلنا و { رَّسُولاً } صفة له، وكذا الكلام في قوله تعالىأَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 94] ورجح غير واحد الأول بأنه أكثر موافقة للمقام وأنسب، ووجه ذلك القطب وصاحب «التقريب» بأنه على الحالية يفيد المقصود بمنطوقه وعلى الوصفية يفيد خلاف المقصود بمفهومه، أما الأول: فلأن منطوقه أبعث الله تعالى رسولاً حال كونه بشراً لا ملكاً ولنزلنا عليهم رسولاً حال كونه ملكاً لا بشراً وهو المقصود، وأما الثاني: فلأن التقييد بالصفة يفيد أبعث الله تعالى بشراً مرسلاً لا بشراً غير مرسل ولنزلنا عليهم ملكاً مرسلاً لا ملكاً غير مرسل وهو خلاف المقصود بل غير مستقيم.

السابقالتالي
2 3