الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً }

{ إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } استثناء منقطع على ما اختاره ابن الأنباري وابن عطية وغيرهما وهو مفسر بلكن في المشهور. والاستدراك على ما صرح به الطيبـي وغيره واقتضاه ظاهر كلام جمع عن قوله تعالى: { إِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ } وقال في «الكشف»: إنه ليس استدراكاً عن ذلك فإن المستثنى منهوَكِيلاً } [الإسراء: 86] وهذا من المنقطع الممتنع إيقاعه موقع الاسم الأول الواجب فيه النصب في لغتي الحجاز وتميم كما في قوله تعالى:لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ } [هود: 43] في رأي، وقولهم: لا تكونن من فلان إلا سلاماً بسلام فقد صرح الرضي وغيره بأن الفريقين يوجبون النصب ولا يجوزون الإبدال في المنقطع فيما لا يكون قبله اسم يصح حذفه، وكون / ما نحن فيه من ذلك ظاهر لمن له ذوق. والمعنى ثم بعد الإذهاب لا تجد من يتوكل علينا بالاسترداد ولكن رحمة من ربك تركته غير منصوب فلم تحتج إلى من يتوكل للاسترداد مأيوس عنه بالفقدان المدلول عليه بـِلا تجد } [الإسراء: 86]، والتغاير المعنوي بين الكلامين من دلالة الأول على الإذهاب ضمناً والثاني على خلافه حاصل وهو كاف فافهم. ويفهم صنيع البعض اختيار أنه استثناء متصل منوَكِيلاً } [الإسراء: 86] أي لا تجد وكيلاً باسترداده إلا الرحمة فإنك تجدها مستردة، وأنت تعلم أن شمول الوكيل للرحمة يحتاج إلى نوع تكلف. وقال أبو البقاء: إن { رَحْمَةً } نصب على أنه مفعول له والتقدير حفظناه عليك للرحمة، ويجوز أن يكون نصباً على أنه مفعول مطلق أي ولكن رحمناك رحمة اهـ وهو كما ترى. والآية على تقدير الانقطاع امتنان بإبقاء القرآن بعد الامتنان بتنزيله، وذكروا أنها على التقدير الآخر دالة على عدم الإبقاء فالمنة حينئذ إنما هي في تنزيله، ولا يخفى ما فيه من الخفاء وما يذكر في بيانه لا يروي الغليل.

والآية ظاهرة في أن مشيئة الذهاب به غير متحققة وأن فقدان المسترد إلا الرحمة إنما هو على فرض تحقق المشيئة لكن جاء في الأخبار أن القرآن يذهب به قبل يوم القيامة، فقد أخرج البيهقي والحاكم وصححه وابن ماجه بسند قوي عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صدقة ولا نسك ويسري على كتاب الله تعالى في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ويبقى الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها " وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر قالا: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أيها الناس ما هذه الكتب التي بلغني أنكم تكتبونها مع كتاب الله تعالى يوشك أن يغضب الله تعالى لكتابه فيسري عليه ليلاً لا يترك في قلب ولا ورق منه حرف إلا ذهب به فقيل: يا رسول الله فكيف بالمؤمنين والمؤمنات؟ قال: من أراد الله تعالى خيراً أبقى في قلبه لا إله إلا الله "

السابقالتالي
2