الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }

{ وَنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ } أي ما هو في تقويم دينهم واستصلاح نفوسهم كالدواء الشافي للمرضى. و { مِنْ } للبيان وقدم اهتماماً بشأنه، وأنكر أبو حيان جواز التقديم واختار هنا كون (من) لابتداء الغاية وهو إنكار غير مسموع فيفيد أن كل القرآن كذلك. وفي الخبر «من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله تعالى» أو للتبعيض ومعناه على ما في «الكشف» وننزل ما هو شفاء أي تدرج في نزوله شفاء فشفاء وليس معناه أنه منقسم إلى ما هو شفاء وليس بشفاء والمنزل الأول كما وهم الحوفي فأنكر جواز إرادة التبعيض وإنما المعنى أن ما لم ينزل بعد ليس بشفاء للمؤمنين لعدم الاطلاع وأن كل ما ينزل فهو شفاء لداء خاص يتجدد نزول الشفاء كفاء تجدد الداء. وفيه أيضاً أن هذا الوجه أوفق لمقتضى المقام ولا يخفى عليك بعده ولذا اختير في توجيه التبعيض أنه باعتبار الشفاء الجسماني وهو من خواص بعض دون بعض. ومن البعض الأول الفاتحة وفيها آثار مشهورة، وآيات الشفاء وهي ستوَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [التوبة: 14]شِفَآء لِمَا فِى ٱلصُّدُورِ } [يونس: 57]فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ } [النحل: 69] { وَنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ }وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [الشعراء: 80]قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء } [فصلت: 44]. قال السبكي: وقد جربت كثيراً. وعن القشيري أنه مرض له ولد أيس من حياته فرأى الله تعالى في منامه فشكى له سبحانه ذلك فقال له: اجمع آيات الشفاء واقرأها عليه أو اكتبها في إناء واسقه فيه ما محيت به ففعل فشفاه الله تعالى. والأطباء معترفون بأن من الأمور والرقى ما يشفي بخاصية روحانية كما فصله الأندلسي في «مفرداته»، وكذا داود في المجلد الثاني من «تذكرته»، ومن ينكر لا يعبأ به. نعم اختلف العلماء في جواز نحو ما صنعه القشيري عن الرؤيا وهو نوع من النشرة وعرفوها بأنها أن يكتب شيء من أسماء الله تعالى أو من القرآن ثم يغسل بالماء ثم يمسح به المريض أو يسقاه فمنع ذلك الحسن والنخعي ومجاهد، وروى أبو داود من حديث جابر " أن النبـي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان " وأجاز ذلك ابن المسيب. والنشرة التي قال فيها صلى الله عليه وسلم ما قال هي النشرة التي كانت تفعل في الجاهلية وهي أنواع، منها ما يفعله أهل التعزيم في غالب الإعصار من قراءة أشياء غير معلومة المعنى ولم تثبت في السنة أو كتابتها وتعليقها أو سقيها، وقال مالك: لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله على أعناق المرضى على وجه التبرك بها إذا لم يرد معلقا بذلك مدافعة العين، وعنى بذلك أنه لا بأس / بالتعليق بعد نزول البلاء رجاء الفرج والبرء كالرقي التي وردت السنة بها من العين، وأما قبل النزول ففيه بأس وهو غريب، وعند ابن المسيب يجوز تعليق العوذة من كتاب الله تعالى في قصبة ونحوها وتوضع عند الجماع وعند الغائط ولم يقيد بقبل أو بعد، ورخص الباقر في العوذة تعلق على الصبيان مطلقاً، وكان ابن سيرين لا يرى بأساً بالشيء من القرآن يعلقه الإنسان كبيراً أو صغيراً مطلقاً، وهو الذي عليه الناس قديماً وحديثاً في سائر الأمصار لكن توجيه التبعيض بما ذكر لا يساعده قوله سبحانه:

{ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا } أي لا يزيد القرآن كله أو كل بعض منه الكافرين المكذبين به الواضعين للأشياء في غير موضعها مع كونه في نفسه شفاء لما في الصدور من أدواء الريب وأَسقام الأوهام إلا خساراً أي هلاكاً بكفرهم وتكذيبهم وزيادتهم من حيث أنهم كلما جددوا الكفر والتكذيب بالآية النازلة تدريجاً ازدادوا بذلك هلاكاً.

السابقالتالي
2 3