الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }

{ وَمِنَ ٱلَّيْلِ } قيل أي وعليك بعض الليل. وظاهره أنه من باب الإغراء كما نقل عن الزجاج وأبـي البقاء في قوله تعالى:وقُرآنَ الفَجْرِ } [الإسراء: 78] وتعقبه أبو حيان بأن المغرى به لا يكون حرفاً. ولا يجدي نفعاً كون (من) للبعيض لأن ذلك لا يجعلها اسماً ألا ترى إجماع النحاة على أن واو مع حرف وإن قدرت بمع. وأجيب بأنه يحتمل أن يكون القائل بذلك قائلاً باسمية { مِنْ } في مثل ذلك كما قالوا باسمية الكاف في نحوفَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ } [الفيل: 5] وعن في نحو:
من عن يميني تارة وشمالي   
وعلى نحو من عليه. وكذا القائل بأن ذلك نصب على / الظرفية بمقدر أي وقم بعض الليل. واختار الحوفي أن (من) متعلقة بفعل دل عليه معنى الكلام أي واسهر من الليل فالفاء في قوله تعالى: { فَتَهَجَّدْ بِهِ } إما عاطفة على ذلك المقدر أو مفسرة بناء على أنه من أسلوبوَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ } [البقرة: 40] وفي «الكشف» أن الإغراء هو الظاهر هٰهنا بخلافه فيما تقدم لأن النصب على التفسير والصلات مختلفة لا يتضح كل الاتضاح، ومعنى الإغراء من السابق واللاحق تتعاضد الأدلة عليه، وفيه منع ظاهر.

والتهجد على ما نقل عن الليث الاستيقاظ من النوم للصلاة ويطلق على نفس الصلاة بعد القيام من النوم ليلاً يقال: تهجد أي صلى في الليل بعد الاستيقاظ وكذا هجد وهذا يقتضي سابقية النوم في تحقق التهجد فلو لم ينم وصلى ما شاء لا يقال له تهجد، وهو المروي عن مجاهد والأسود وعلقمة وغيرهم. وقال المبرد: هو السهر للصلاة أو لذكر الله تعالى، وقيل: السهر للطاعة وظاهره عدم اشتراط سابقية النوم في تحققه، والمشهور أن ذلك يسمى قياماً وما بعد النوم يسمى تهجداً، وأغرب الحجاج بن عمرو المازني فانه روي عنه أنه قال: أيحسب أحدكم إذا قام من الليل فصلى حتى يصبح أنه قد تهجد إنما التهجد الصلاة بعد الرقاد ثم صلاة أخرى بعد رقدة ثم صلاة أخرى بعد رقدة هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنا أقول: إن تخلل النوم بين الصلوات جاء في «صحيح مسلم» من رواية حصين عن حبيب بن أبـي ثابت وهي مما استدركها الدارقطني على مسلم لاضطرابها [واختلاف الرواة] فقد قال وروي عنه على سبعة أوجه وخالف فيه الجمهور يعني الخبر الذي فيه تخلل النوم، والكثير من الروايات ليس فيه ذلك فليحفظ.

واشترط أن لا تكون الصلاة إحدى الخمس فلو نام عن العشاء ثم قام فصلاها لا يسمى متهجداً ولا ضرر في كونها واجبة كأن نام عن الوتر ثم قام إليها. وفي «القاموس» ((الهُجُود النومُ كالتهجد وتَهَجَّد استيقظ كهَجَّد ضد، وقال ابن الأعرابـي: هَجَّد الرجل صلى من الليل وهَجَّد نام بالليل)).

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9