الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً }

{ وَمَن كَانَ } من المدعوين المذكورين { فِى هَـٰذِهِ } الدنيا التي فعل بهم فيها من التكريم والتفضيل ما فعل { أَعْمَىٰ } لا يهتدي إلى طريق نجاته من النظر إلى ما أولاه مولاه جل علاه والقيام بحقوقه وشكره سبحانه بما ينبغي له عز شأنه من الايمان والعمل { فَهُوَ فِى ٱلأَخِرَةِ } التي عبر عنها بـِيَوْمَ نَدْعُواْ } [الإسراء: 71] { أَعْمَىٰ } لا يهتدي أيضاً إلى ما ينجيه ولا يظفر بما يجديه لأن العمى الأول موجب للثاني وهو في الموضعين مستعار من آفة البصر. وجوز أن يكون { أَعْمَىٰ } الثاني أفعل تفضيل من عمى البصيرة وهو من العيوب الباطنة التي يجوز أن يصاغ منها أفعل التفضيل كالأحمق والأبله، وبني على ذلك إمالة أبـي عمرو الأول وتفخيمه الثاني وبيان أن الألف في الأول آخر الكلمة كما ترى وتحسن الإمالة في الأواخر وهي في الثاني على تقدير كونه أفعل تفضيل كأنها في وسط الكلمة لأن أفعل المذكور غير معرف باللام ولا مضاف لا يستعمل بدون من الجارة للمفضل عليه ملفوظة أو مقدرة وهو معها في حكم الكلمة الواحدة ولا تحسن الإمالة فيها ولا تكثر كما في المتطرفة. وقد صرح بذلك أبو علي في «الحجة» فلا يرد إمالةأَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ } [المجادلة: 7] و { الكافرين } وأن حمزة والكسائي وأبا بكر يميلون (الأعمى) في الموضعين ولا حاجة إلى أن يقال: إنهم لا يرونه أفعل تفضيل أو أن الإمالة فيما يرونه كذلك للمشاكلة. وقال بعض المحققين: إنه لما أريد افتراق معنيي الأعمى في الموضعين افترق اللفظان إمالة وتفخيماً وفخم الثاني لأن ما يدل على زيادة المعنى أولى بالتفخيم مع عدم حسن الإمالة فيه حسنها في الأول، ولا يظن بأبـي علي أنه يقول بامتناع الإمالة وإنما يقول بأولوية التفخيم.

وقال بعضهم: إن كان العمى فيما يكون للبصر وما يكون للبصيرة حقيقة فلا إشكال، وإن كان حقيقة في الأول وتجوز به عن الثاني ففيه إشكال إلا أن يقال: إنه ألحق بما وضع لذلك وقد منعه آخرون لأن العلة وهي الإلباس بالوصف موجودة فيه فتدبر. وقوى هذا التأويل بعطف قوله تعالى: { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } منه في الدنيا لزوال الاستعداد وعدم إمكان تدارك ما فات، وهذا بعينه هو الذي أوتي كتابه بشماله بدلالة حال ما سبق من الفريق المقابل له، ولعل العدول إلى هذا العنوان للإيذان بالعلة الموجبة كما في قوله تعالى:وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذّبِينَ } [الواقعة: 92] بعد قوله سبحانه:وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ } [الواقعة: 90] وللرمز إلى علة حال الفريق الأول وفي ذلك ما هو من قبيل الاحتباك حيث ذكر في أحد الجانبين المسبب وفي الآخر السبب ودل بالمذكور في كل منهما / على المتروك في الآخر تعويلاً على شهادة العقل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6