الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءادَمَ } أي جعلناهم قاطبة برهم وفاجرهم ذوي كرم أي شرف ومحاسن جمة لا يحيط بها نطاق الحصر. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كرمهم سبحانه بالعقل، وفي رواية بتناولهم الطعام بأيديهم لا بأفواههم كسائر الحيوانات، وعن الضحاك بالنطق، وعن عطاء بتعديل القامة وامتدادها، وعن زيد بن أسلم بالمطاعم واللذات، وعن يمان بحسن / الصورة، وعن ابن جرير بالتسلط على غيرهم من الخلق وتسخيره لهم، وعن محمد بن كعب بجعل محمد صلى الله عليه وسلم منهم. وقيل: بخلق الله تعالى أباهم آدم بيديه، وقيل: بتدبير المعاش والمعاد، وقيل: بالخط، وقيل: باللحية للرجل والذؤابة للمرأة، وقيل وقيل والكل في الحقيقة على سبيل التمثيل؛ ومن ادعى الحصر في واحد كابن عطية حيث قال: إنما التكريم بالعقل لا غير فقد ادعى غلطاً ورام شططاً وخالف صريح العقل وصحيح النقل ولذا استدل الإمام الشافعي بالآية على عدم نجاسة الآدمي بالموت { وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } على أكبار رطبة وأعواد يابسة من الدواب والسفن فهو من حملته على كذا إذا أعطيته ما يركبه ويحمله فالمحمول عليه مقدر بقرينة المقام. وقيل: المراد من حملهم في البر والبحر جعلهم قارين فيهما بأن لم يخسف بهم الأرض ولم يغرقهم بالماء، والأول أنسب بالتكريم إذ لا يثبت لشيء من الحيوانات سواهم بخلاف الثاني { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } أي فنون النعم وضروب المستلذات مما يحصل بصنعهم وبغير صنعهم من المأكولات والملبوسات والمفروشات والمقتنيات وغير ذلك.

{ وَفَضَّلْنَـٰهُمْ } قيل: أي بالتكريم المذكور { عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } عظيماً، والمراد أن ذلك مخصوص بهم بالنسبة إلى الكثير فلم يكرم الكثير كما كرموا. وبحث الإمام في هذا المقام بأنه تعالى قال أولاً: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ } وقال سبحانه هنا: { وَفَضَّلْنَـٰهُمْ } فلا بد من فرق بين التكريم والتفضيل لئلا يلزم التكرار. والأقرب في ذلك أن يقال: إنه تعالى فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية مثل العقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المديدة ثم إنه عز وجل عرضه بواسطة العقل والفهم لاكتساب العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة فالأول هو التكريم والثاني هو التفضيل فكأنه قيل فضلناهم بالتعريض لاكتساب ما فيه النجاة والزلفى بواسطة ما كرمناهم به من مبادي ذلك فعليهم أن يشكروا ويصرفوا ما خلق لهم لما خلق له فيوحدوا الله تعالى ولا يشركوا به شيئاً ويرفضوا ما هم عليه من عبادة غيره عز وجل، ويقال نحو هذا على ما سبق أيضاً بقليل تغيير. وقال الطيبـي: قد كرر في الآية ما ينبىء عن غاية المدح من ذكر الكرامة والتفضيل وتسخير الأشياء على سبيل الترقي كأنه قيل: ولقد كرمنا بني آدم بكرامة أبيهم عليه السلام ثم سخرنا لهم الأشياء ورزقناهم من الطيبات ثم فضلناهم تفضيلاً أي تفضيل ولذا عقب بها قوله سبحانه:

السابقالتالي
2 3