الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً }

{ إِنْ أَحْسَنتُمْ } أعمالكم سواء كانت لازمة لأنفسكم أو متعدية للغير أي عملتموها على الوجه المستحسن اللائق / أو فعلتم الإحسان { أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ } أي لنفعها بما يترتب على ذلك من الثواب { وَإِنْ أَسَأْتُمْ } أعمالكم لازمة كانت أو متعدية بأن عملتموها على غير الوجه اللائق أو فعلتم الإساءة { فَلَهَا } أي فالإساءة عليها لما يترتب على ذلك من العقاب فاللام بمعنى على كما في قوله:
فخر صريعاً لليدين وللفم   وعبر بها لمشاكلة ما قبلها
وقال الطبري: هي بمعنى إلى على معنى فإساءتها راجعة إليها، وقيل: إنها للاستحقاق كما في قوله تعالى:لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [البقرة: 10]. وفي «الكشاف» أنها للاختصاص. وتعقب بأنه مخالف لما في الآثار من تعدي ضرر الإساءة إلى غير المذنب اللهم إلا أن يقال: إن ضرر هؤلاء القوم من بني إسرائيل لم يتعدهم، وفيه أنه تكلف لا يحتاج إليه لأن الثواب والعقاب الأخرويين لا يتعديان وهما المراد هنا، وقيل: اللام للنفع كالأولى لكن على سبيل التهكم، وتعميم الإحسان ومقابله بحيث يشملان المتعدي واللازم هو الذي استظهره بعض المحققين وفسر الإحسان بفعل ما يستحسن له ولغيره والإساءة بضد ذلك وقال: إنه أنسب وأتم ولذا قيل إن تكرير الإحسان في النظم الكريم دون الإساءة إشارة إلى أن جانب الإحسان أغلب وأنه إذا فعل ينبغي تكراره بخلاف ضده، وجاء عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه وتلا الآية، ووجه مناسبتها لما قبلها على ما قال القطب [الرازي] أنه لما عصوا سلط الله تعالى عليهم من قصدهم بالنهب والأسر ثم لما تابوا وأطاعوا حسنت حالهم فظهر أَن إحسان الأعمال وإساءتها مختص بهم، والآية تضمنت ذلك وفيها من الترغيب بالإحسان والترهيب من الإساءة ما لا يخفى فتأمل.

{ فَإِذَا جَاء وَعْدُ } المرة { ٱلأَخِرَةَ } من مرتى إفسادكم { لِيَسُوؤاْ } متعلق بفعل حذف لدلالة ما سبق عليه وهو جواب (إذا) أي بعثناهم ليسوؤا { وُجُوهَكُمْ } أي ليجعل العباد المبعوثون آثار المساءة والكآبة بادية في وجوهكم فإن الأعراض النفسانية تظهر فيها فيظهر بالفرح النضارة والإشراق وبالحزن والخوف الكلوح والسواد فالوجوه على حقيقتها، قيل ويحتمل أن يعبر بالوجه عن الجملة فإنهم ساؤهم بالقتل والنهب والسبـي فحصلت الإساءة للذوات كلها ويؤيده قوله تعالى: { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } ويحتمل أن يراد بالوجوه ساداتهم وكبراؤهم اهـ وهو كما ترى. واختير هذا على ليسوؤكم مع أنه أخصر وأظهر إشارة إلى أنه جمع عليه ألم النفس والبدن المدلول عليه بقوله تعالى: { وَلِيُتَبّرُواْ } الخ، وقيل: { فَإِذَا جَاء } هنا مع كونه من تفصيل المجمل في قوله سبحانه:لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ } [الإسراء: 4] فالظاهر فإذا جاء وإذا جاء للدلالة على أن مجيء وعد عقاب المرة الآخرة لم يتراخ عن كثرتهم واجتماعهم دلالة على شدة شكيمتهم في كفران النعم وإنهم كلما ازدادوا عدة وعدة زادوا عدواناً وعزة إلى أن تكاملت أسباب الثروة والكثرة فاجأهم الله عز وجل على الغرة نعوذ بالله سبحانه من مباغتة عذابه.

السابقالتالي
2 3