الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }

{ وَٱسْتَفْزِزْ } أي واستخف يقال استفزه إذا استخفه فخدعه وأوقعه فيما أراده منه، وأصل معنى الفز القطع ومنه تفزز الثوب إذا انقطع ويقال للخفيف فز ولذا سمي به ولد البقرة الوحشية كما في قول زهير:
إذا استغاث بشيء فز غيطلة   خاف العيون فلم تنظر به الحشك
والواو على ما في «البحر» للعطف علىٱذْهَبْ } [الإسراء: 63]. والمراد من الأمر التهديد وكذا من الأوامر الآتية، ويمنع من إرادة الحقيقة أن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء { مَنِ ٱسْتَطَعْتَ } أي الذي استطعت أن تستفزه { مِنْهُمْ } فمن موصول مفعول { استفزز } ومفعول { ٱسْتَطَعْتَ } محذوف هو ما أشرنا إليه. واختار أبو البقاء كون (من) استفهامية في موضع نصب باستطعت وهو خلاف الظاهر جداً ولا داعي إلى ارتكابه { بِصَوْتِكَ } أي بدعائك إلى معصية الله تعالى ووسوستك، وعبر عن الدعاء بالصوت تحقيراً له حتى كأنه لا معنى له كصوت الحمار. وأخرج ابن المنذر وابن جرير وغيرهما عن مجاهد تفسيره بالغناء والمزامير واللهو والباطل. وذكر الغزنوي أنه آدم عليه السلام أسكن ولد هابيل أعلى جبل وولد قابيل أسفله وفيهم بنات حسان فزمر الشيطان فلم يتمالكوا أن انحدروا واقترنوا.

{ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم } أي صح عليهم من الجلبة وهي الصياح قاله الفراء وأبو عبيدة، وذكر أن جلب وأجلب بمعنى. وقال الزجاج: أجلب على العدو جمع عليه الخيل. وقال ابن السكيت: جلب عليه أعان عليه، وقال ابن الأعرابـي: أجلب على الرجل إذا توعده الشر وجمع عليه الجمع، وفسر بعضهم { أجلب } هنا بأجمع فالباء في قوله تعالى: { بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } مزيدة كما في لا يقرأن بالسور. وقرأ الحسن { واجلب } بوصل الألف وضم اللام من جلب ثلاثياً. والخيل يطلق على الأفراس حقيقة ولا واحد له من لفظه، وقيل إن واحده خائل لاختياله في مشيه وعلى الفرسان مجازاً وهو المراد هنا، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته لأصحابه رضي الله عنهم " يا خيل الله اركبي " والرجل بكسر الجيم فعل بمعنى فاعل فهو صفة كحذر بمعنى حاذر يقال: فلان يمشي رجلاً أي غير راكب. وقال صاحب «اللوامح»: هو بمعنى الرجل يعني أنه مفرد أريد به الجمع لأنه المناسب للمقام وما عطف عليه، وبهذا قرأ حفص وأبو عمرو في رواية والحسن. وظاهر الآية يقتضي أن للعين خيلاً ورجلاً وبه قال جمع فقيل هم من الجن، وقيل منهم ومن الإنس وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وقتادة قالوا: إن له خيلاً ورجلاً من الجن والإنس فما كان من راكب يقاتل في معصية الله تعالى فهو من خيل إبليس وما كان من راجل يقاتل في معصية الله تعالى فهو من رجل إبليس.

السابقالتالي
2 3