الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ قَالَ } أي إبليس. وفي إعادة الفعل بين كلامي اللعين إيذان بعدم اتصال الثاني بالأول وعدم ابتنائه عليه بل على غيره وقد ذكر ذلك في مواضع أخر أي قال بعد طرده من المحل الأعلى ولعنه واستنظاره وإنظاره { أَرَءيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَيَّ } الكاف حرف خطاب مؤكد لمعنى التاء قبله وهو من التأكيد اللغوي فلا محل له من الإعراب، ورأى علمية فتتعدى إلى مفعولين { وَهَـٰذَا } مفعولها الأول والموصول صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة الصلة عليه، وهذا الإنشاء مجاز عن إنشاء آخر ومن هنا تسمعهم يقولون: المعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته عليَّ لِمَ كرمته عليَّ وأنا أكرم منه، والعلاقة ما بين العلم والأخبار من السببية والمسببية واللازمية والملزومية، وجملة لم كرمته واقعة على ما نص عليه أبو حيان موقع المفعول الثاني. وذهب بعض النحاة إلى أن رأى بصرية فتتعدى إلى واحد واختاره الرضي، ويجعلون الجملة الاستفهامية المذكورة مستأنفة.

وقال الفراء: الكاف ضمير في محل نصب أي أرأيت نفسك وهو كما تقول: أتدبرت آخر أمرك فإني صانع كذا، و { هَـٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَيَّ } مبتدأ وخبر وقد حذف منه الاستفهام أي أهذا الخ. وقال بعضهم بهذا إلا أنه جعل الكاف حرف خطاب مؤكد أي أخبرني أهذا من كرمته علي. وقال ابن عطية: الكاف حرف كما قيل لكن معنى أرأيتك أتأملت كأن المتكلم ينبه المخاطب على استحضار ما يخاطبه به عقيبه. وكونه بمعنى أخبرني قول سيبويه والزجاج وتبعهما الحوفي والزمخشري وغيرهما، وزعم ابن عطية أن ذلك حيث يكون استفهام ولا استفهام في الآية. وأنت تعلم أن المقرر في أرأيت بمعنى أخبرني أن تدخل على جملة ابتدائية يكون الخبر فيها استفهاماً مذكوراً أو مقدراً فمجرد عدم وجوده لا يأبـى ذلك. وأياً ما كان فاسم الإشارة للتحقير، والمراد من التكريم التفضيل.

وجملة { لَئِنْ أَخَّرْتَنِى إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } استئناف وابتداء كلام واللام موطئة للقسم وجوابه { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ }. وفي «البحر» لو ذهب ذاهب إلا أن (هذا) مفعول أول لأرأيتك بمعنى أخبرني والمفعول الثاني الجملة القسمية المذكورة لانعقادهما مبتدأ وخبراً قبل دخول أرأيتك لذهب مذهباً حسناً إذ لا يكون في الكلام على هذا إضمار وهو كما ترى. والمراد من أخرتني أبقيتني حياً أو أخرت موتي. ومعنى { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ } لأستولين عليهم استيلاء قوياً من قولهم: حنك الدابة واحتنكها إذا جعل في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به. وأخرج هذا ابن جرير وغيره عن ابن عباس وإليه ذهب الفراء أو لأستأصلنهم وأهلكنهم / بالإغواء من قولهم: احتنك الجراد الأرض إذا أهلك نباتها وجرد ما عليها واحتنك فلان مال فلان إذا أخذه وأكله، وعلى ذلك قوله:

السابقالتالي
2