الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ } منصوب بفعل مضمر أي اذكروا أو بدل منقَرِيبًا } [الإسراء: 51] على أنه ظرف أو متعلق بيكون تامة بالاتفاق وناقصة عند من يجوز إعمال الناقصة في الظروف أو بتبعثون محذوفاً أو بضمير المصدر المستتر في { يكون } أوعسى } [الإسراء: 51] العائد على العود مثلاً بناء على مذهب الكوفيين المجوزين إعمال ضمير المصدر كما في قوله:
/ وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو   وما هو عنها بالحديث المرجم
وجعله بدلاً من الضمير المستتر بدل اشتمال ولم يرفع لأنه إذا أضيف إلى مثل هذه الجملة قد يبنى على الفتح تكلف وادعاء ظهوره مكابرة. والدعاء قيل: مجاز عن البعث وكذا الاستجابة في قوله تعالى: { فَتَسْتَجِيبُونَ } مجاز عن الانبعاث أي يوم يبعثكم فتنبعثون فلا دعاء ولا استجابة وهو نظير قوله تعالى:كُنْ فَيَكُونُ } [يس: 82] في أنه لا خطاب ولا مخاطب في المشهور، وتجوز بالدعاء والاستجابة عن ذلك للتنبيه على السرعة والسهولة لأن قول: قم يا فلان أمر سريع لا بطء فيه ومجرد النداء ليس كمزاولة الإيجاد بالنسبة إلينا، وعلى أن المقصود الإحضار للحساب والجزاء فإن دعوة السيد لعبده إنما تكون لاستخدامه أو للتفحص عن أمره والأول منتف لأن الآخرة لا تكليف فيها فتعين الثاني. وقال الإمام وأبو حيان: يدعوكم بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة كما قال سبحانهيَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } [ق: 41] الآية، ويقال إن إسرافيل عليه السلام وفي رواية جبرائيل عليه السلام ينادي على صخرة بيت المقدس أيتها الأجسام البالية والعظام النخرة والأجزاء المتفرقة عودي كما كنت. وأخرج أبو داود وابن حبان عن أبـي الدرداء أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم " ولعل هذا عند الدعاء للحساب وهو بعد البعث من القبور، واقتصر كثير على التجوز السابق فقيل إن فيه إشارة إلى امتناع الحمل على الحقيقة لما يلزم من الحمل عليها خطاب الجماد وهو الأجزاء المتفرقة ولو لم تمتنع إرادة الحقيقة لكان ذلك كناية عن البعث والانبعاث لا مجازاً والمجوز لإرادتها يقول إن الدعوة بالأمر التكويني وهو مما يوجه إلى المعدوم وقد قال جمع به في قول { كُنْ } ولم يتجوزوا في ذلك وأما أنه لو لم تمتنع إرادة الحقيقة لكان كناية لا مجازاً فأمر سهل كما لا يخفى فتدبر.

{ بِحَمْدِهِ } حال من ضمير المخاطبين وهم الكفار كما هو الظاهر، والباء للملابسة أي فتستجيبون ملتبسين بحمده أي حامدين له تعالى على كمال قدرته، وقيل المراد معترفين بأن الحمد له على النعم لا تنكرون ذلك لأن المعارف هناك ضرورية. وأخرج عبد بن حميد وغيره عن ابن جرير أنه قال: يخرجون من قبورهم وهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك ولا بعد في صدور ذلك من الكافر يوم القيامة وإن لم ينفعه وحمل الزمخشري ذلك على المجاز والمراد المبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيتأبى ويمتنع ستركبه وأنت حامد شاكر يعني أنك تحمل عليه وتقسر قسراً حتى إنك تلين لين المسمح الراغب فيه الحامد عليه فكأنه قيل: منقادين لبعثه انقياد الحامدين له وتعلق الجار بيدعوكم ليس بشيء.

السابقالتالي
2