الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً }

{ وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ } أخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس أي أعلمناهم، وزاد الراغب وأوحينا إليهم وحياً جزماً، وصرح غير واحد بتضمن القضاء معنى الإيحاء ولهذا عدي بإلى، والوحي إليهم إعلامهم ولو بالواسطة، وقيل إلى بمعنى على وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس: قال أي قضينا عليهم { فِى ٱلْكِتَـٰبِ } أي التوراة أو الجنس بدليل قراءة أبـي العالية وابن جبير { ٱلْكِتَـٰبِ } بصيغة الجمع والظاهر الأول على الأول أو اللوح المحفوظ على الأخير، وأخرج ابن المنذر والحاكم عن طاوس قال: كنت عند ابن عباس ومعنا رجل من القدرية فقلت: إن أناساً يقولون لا قدر قال: أو في القوم أحد منهم؟ قلت: لو كان ما كنت تصنع به؟ قال: لو كان فيهم أحد منهم لأخذت برأسه ثم قرأت عليه { وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ }.

{ لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلأَرْضِ } جواب قسم محذوف، وحذف متعلق القضاء أيضاً للعلم به والتقدير: وقضينا إلى بني إسرائيل بفسادهم وعلوهم والله لتفسدن الخ ويكون هذا تأكيداً لتعلق القضاء، ويجوز جعله جواب { قَضَيْنَا } بإجراء القضاء مجرى القسم فيتلقى بما يتلقى به نحو قضاء الله تعالى لأفعلن كذا. والمراد بالأرض الجنس أو أرض الشام وبيت المقدس. وقرأ ابن عباس. ونصر بن علي وجابر بن زيد { لَتُفْسِدُنَّ } بضم التاء وفتح السين مبنياً للمفعول أي يفسدكم غيركم فقيل من الضلال، وقيل من الغلبة. وقرأ عيسى { لَتُفْسِدُنَّ } بفتح التاء وضم السين على معنى لتفسدن بأنفسكم بارتكاب المعاصي.

{ مَّرَّتَيْنِ } منصوب على أنه مصدر { لَتُفْسِدُنَّ } من غير لفظه، والمراد إفسادتين أولاهما على ما نقل السدي عن أشياخه قتل زكريا عليه السلام وروي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وذلك أنه لما مات صديقة ملكهم تنافسوا على الملك وقتل بعضهم بعضاً ولم يسمعوا من زكريا فقال الله تعالى له: قم في قومك أوح على لسانك فلما فرغ مما أوحى عليه عدوا عليه ليقتلوه فهرب فانفلقت له شجرة فدخل فيها وأدركه الشيطان فأخذ هدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسط الشجرة حتى قطعوه في وسطها. وقيل سبب قتله أنهم اتهموه بمريم عليها السلام قيل قالوا: حين حملت: ضيع بنت سيدنا حتى زنت فقطعوه بالمنشار في الشجرة، وقال ابن إسحٰق: هي قتل شعيا عليه السلام وقد بعث بعد موسى عليه السلام فلما بلغهم / الوحي أرادوا قتله فهرب فقتل وهو صاحب الشجرة وزكريا عليه السلام مات موتاً ولم يقتل. وفي «الكشاف» «أولاهما قتل زكريا وحبس أرميا والآخرة قتل يحيـى وقصد قتل عيسى عليهما السلام»، وهذا فيمن جعل هلاك زكريا قبل يحيـى عليهما السلام وهو رواية ابن عساكر في «تاريخه» عن علي كرم الله تعالى وجهه، ثم ضم ذلك مع حبس أرمياً في قرن غير سديد لأن أرميا كان في زمن بختنصر وبينه وبين زكريا أكثر من مائتي سنة.

السابقالتالي
2