الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

{ وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ } أتموه ولاتخسروه { إِذا كِلْتُمْ } أي وقت كيلكم للمشترين. وتقييد الأمر به لما أن التطفيف يكون هناك، وأما وقت الاكتيال على الناس فلا حاجة إلى الأمر بالتعديل قال تعالى:إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } [المطففين: 2] الآية { وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ } هو القبان على ما روي عن الضحاك ويقال له القرسطون بلغة أهل الشام كما قال الأزهري، وقال الزجاج: هو الميزان صغيراً كان أو كبيراً من موازين الدراهم وغيرها، وقال الليث: هو أقوم الموازين، وأخرج ابن أبـي حاتم عن قتادة أنه العدل، وعن الحسن أنه الحديد وهو رومي معرب كما قال ابن دريد لفقد مادته في العربية، وقيل: إنه عربـي وروي القول بتعريبه وأنه الميزان في اللغة الرومية عن ابن جبير وجماعة، وقيل: هو مركب من كلمتين القسط وهو العدل وطاس وهو كفة الميزان لكنه حذف أحد الطائين لأن التركيب محل تخفيف وهو كما ترى، وعلى القول بأنه رومي معرب وهو الصحيح لا يقدح استعماله في القرآن في عربيته المذكورة في قوله تعالى:إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْانًا عَرَبِيّا } [يوسف: 2] لأنه بعد التعريب والسماع في فصيح الكلام يصير عربياً فلا حاجة إلى إنكار تعريبه أو ادعاء التغليب أو أن المراد عربـي الأسلوب. وقد قرأه الكوفيون بكسر القاف والباقون بضمها، وقد تبدل السين الأولى صاداً كما أبدلت الصاد سيناً في الصراط. { الْمُسْتَقِيمِ } أي العدل السوي، وهو يبعد تفسير القسطاس بالعدل «ولعل الاكتفاء باستقامته عن الأمر بإيفاء الوزن كما قال شيخ الإسلام لما أن عند استقامته لا يتصور الجور غالباً بخلاف الكيل فإنه كثيراً ما يقع التطفيف مع استقامة الآلة كما أن الاكتفاء بإيفاء الكيل عن الأمر بتعديله لما أن إيفاءه لا يتصور بدون تعديل المكيال وقد أمر بتقويمه أيضاً في قوله تعالى:أَوْفُوا ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } [هود: 85]».

{ ذٰلِكَ } أي إيفاء الكيل والوزن بالقسطاس المستقيم { خَيْرٌ } في الدنيا لأنه سبب لرغبة الناس في معاملة فاعله وجلب الثناء الجميل عليه { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } أي عاقبة لما يترتب عليه من الثواب في الآخرة. والتأويل تفعيل من آل إذا رجع وأصله رجوع الشيء إلى الغاية المرادة منه علماً كما في قوله تعالى:وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } [آل عمران: 7] أو فعلاً كما في قوله سبحانهيَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ } [الأعراف: 53] وقول الشاعر:
وللنوى قبل يوم البين تأويل   
وقيل: المراد ذلك خير في نفسه لأنه أمانة وهي صفة كمال وأحسن عاقبة في الدنيا لأنه سبب لميل القلوب والرغبة في المعاملة والذكر الجميل بين الناس ويفضي ذلك إلى الغنى وفي الآخرة لأنه سبب للخلاص من العذاب والفوز بالثواب، وقيل: أحسن تأويلاً أي أحسن معنى وترجمة.

ثم إن إيفاء الكيل والوزن واجب إجماعاً ونقص ذلك من الكبائر مطلقاً على ما يقتضيه الوعيد الشديد لفاعله الوارد في الآيات والأحاديث الصحيحة ولا فرق بين القليل والكثير، نعم قال بعضهم: إن التطفيف بالشيء التافه الذي يسامح به أكثر الناس ينبغي أن يكون صغيرة.

السابقالتالي
2