الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }

{ ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } نصب على الاختصاص أو على النداء؛ والمراد الحمل على التوحيد بذكر إنعامه تعالى عليهم في تضمن إنجاء آبائهم من الغرق في سفينة نوح عليه السلام حين ليس لهم وكيل يتوكلون عليه سواه تعالى، وخص مكي النداء بقراءة الخطاب قال: من قرأيَتَّخِذُواْ } [الإسراء: 2] بياء الغيبة يبعد معه النداء لأن الياء للغيبة والنداء للخطاب فلا يجتمعان إلا على بعد ونعم ما قال، وقول بعضهم: ليس كما زعم إذ يجوز أن ينادي الإنسان شخصاً ويخبر عن أحد فيقول: يا زيد ينطلق بكر وفعلت كذا يا زيد ليفعل عمرو كيت وكيت إن كما زعم لا يدفع البعد الذي ادعاه مكي. وجوز أن يكون أحد مفعوليتَتَّخِذُواْ } [الإسراء: 2] ووَكِيلاً } [الإسراء: 2] الآخر وهو لكونه فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه الواحد المذكر وغيره فلا يرد أنه كيف يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً والمفعول الثاني خبر معنى وهو غير مطابق هنا ومِنْ دُونِى } [الإسراء: 2] حال منه و { مِنْ } يجوز أن تكون ابتدائية. وجوز أيضاً أن يكون بدلاً منوَكِيلاً } [الإسراء: 2] لأن المبدل منه ليس في حكم الطرح من كل الوجوه أي لا تتخذوا من دوني ذرية من حملنا والمراد نهيهم عن اتخاذ عزير وعيسى عليهما السلام ونحوهما أرباباً. وفي التعبير بما ذكر إيماء إلى علة النهي من أوجه، أحدها: تذكير النعمة في إنجاء آبائهم كما ذكر، والثاني: تذكير ضعفهم، وحالهم المحوج إلى الحمل، والثالث: أنهم أضعف منهم لأنهم متولدون منهم. وفي إيثار لفظ الذرية الواقعة على الأطفال والنساء في العرف الغالب مناسبة تامة لما ذكر. وجوز أبو البقاء كونه بدلاً منمُوسَىٰ } [الإسراء: 2] وهو بعيد جداً.

وقرأت فرقة { ذُرّيَّةَ } بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو ذرية ولا بعد فيه كما توهم أو على البدل من ضميريَتَّخِذُواْ } [الإسراء: 2] قال أبو البقاء: على القراءة بياء الغيبة، وقال ابن عطية: ولا يجوز هذا على القراءة بتاء الخطاب لأن ضمير المخاطب لا يبدل منه الاسم الظاهر، وتعقبه أبو حيان في «البحر» «بأن المسألة تحتاج إلى تفصيل وذلك أنه إن كان في بدل بعض من كل وبدل اشتمال جاز بلا خلاف وإن كان في بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة إن كان يفيد التوكيد جاز بلا خلاف أيضاً نحو مررت بكم صغيركم وكبيركم وإن لم يفد التوكيد فمذهب جمهور البصريين المنع ومذهب الأخفش والكوفيين الجواز وهو الصحيح لوجود ذلك في لسان العرب، وقد استدل على صحته في «شرح التسهيل»» وقرأ زيد بن ثابت وأبان بن عثمان وزيد بن علي ومجاهد في رواية بكسر ذال { ذُرّيَّةَ } وفي رواية أخرى عن مجاهد أنه قرأ بفتحها، وعن زيد بن ثابت أيضاً أنه قرأ { ذُرّيَّةَ } بفتح الذال وتخفيف الراء وتشديد الياء على وزن فعيلة كمطية.

السابقالتالي
2