الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً }

{ وَكُلَّ إِنْسَـٰنٍ } منصوب على حدكُلّ شَىْء } [الإسراء: 12] أي وألزمنا كل إنسان مكلف { أَلْزَمْنَـٰهُ طَٰـئِرَهُ } أي عمله الصادر منه باختياره حسبما قدر له خيراً كان أو شراً كأنه طار إليه من عش الغيب ووكر القدر. وفي «الكشاف» أنهم كانوا يتفاءلون بالطير ويسمونه زجراً فإذا سافروا ومر بهم طير زجروه فإن مر بهم سانحاً بأن مر من جهة اليسار إلى اليمين تيمنوا وإن مر بارحاً بأن مر من جهة اليمين إلى الشمال تشاءموا ولذا سمي تطيراً فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير استعارة تصريحية لما يشبههما من قدر الله تعالى وعمل العبد لأنه سبب للخير والشر.

ومنه طائر الله تعالى لا طائرك أي قدر الله جل شأنه الغالب الذي ينسب إليه الخير والشر لا طائرك الذي تتشاءم به وتتيمن «وقد كثر فعلهم ذلك حتى فعلوه بالظباء أيضاً وسائر حيوانات الفلا وسمّوا كلْ ذلك تطيراً» كما في «البحر»، وتفسيره بالعمل هنا مروي عن ابن عباس ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» عن مجاهد وذهب إليه غير واحد وفسره بعضهم بما وقع للعبد في القسمة الأزلية الواقعة حسب استحقاقه في العلم الأزلي من قولهم: طار إليه سهم كذا، ومن ذلك فطار لنا من القادمين عثمان بن مظعون أي ألزمنا كل إنسان نصيبه وسهمه الذي قسمناه له في الأزل.

{ فِى عُنُقِهِ } تصوير لشدة اللزوم وكمال الارتباط وعلى ذلك جاء قوله: إن لي حاجة إليك فقال: بين أذني وعاتقي ما تريد. وتخصيص العنق لظهور ما عليه من زائن كالقلائد والأطواق أو شائن كالأغلال والأوهاق ولأنه العضو الذي يبقى مكشوفاً يظهر ما عليه وينسب إليه التقدم والشرف ويعبر به عن الجملة وسيد القوم. فالمعنى ألزمناه عمله بحيث لا يفارقه أبداً بل يلزمه لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه بحال. وأخرج ابن مردويه عن حذيفة بن أسيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن النطفة التي يخلق منها النسمة تطير في المرأة أربعين يوماً وأربعين ليلة فلا يبقى منها شعر ولا بشر ولا عرق ولا عظم إلا دخلته حتى إنها لتدخل بين الظفر واللحم فإذا مضى أربعون ليلة وأربعون يوماً أهبطها الله تعالى إلى الرحم فكانت علقة أربعين يوماً وأربعين ليلة ثم تكون مضغة أربعين يوماً وأربعين ليلة فإذا تمت لها أربعة أشهر بعث الله تعالى إليها ملك الأرحام فيخلق على يده لحمها ودمها وشعرها وبشرها ثم يقول سبحانه صور فيقول: يا رب أصور أزائد أم ناقص أذكر أم أنثى أجميل أم ذميم أجعد أم سبط أقصير أم طويل أأبيض أم آدم أسوي أم غير سوي / فيكتب من ذلك ما يأمر الله تعالى به ثم يقول: أي رب أشقي أم سعيد؟ فإن كان سعيداً نفخ فيه بالسعادة في آخر أجله وإن كان شقياً نفخ فيه بالشقاوة في آخر أجله ثم يقول اكتب أثرها ورزقها ومصيبتها وعملها بالطاعة والمعصية فيكتب من ذلك ما يأمره الله تعالى ثم يقول الملك: يا رب ما أصنع بهذا الكتاب فيقول سبحانه علقه في عنقه إلى قضائي عليه "

السابقالتالي
2