الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً }

{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: " صلى صلى الله عليه وسلم بمكة ذات يوم فدعا الله تعالى فقال في دعائه: يا الله يا رحمن فقال المشركون: انظروا إلى هذا الصابـىء ينهانا أن ندعو إلٰهين وهو يدعو إلٰهين " فنزلت. وعن الضحاك أنه قال: قال أهل الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله تعالى في التوراة هذا الاسم فنزلت. والمراد على الأول التسوية بين اللفظين بأنهما عبارتان عن ذات واحد وإن اختلف الاعتبار والتوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود وهو يلائم قوله تعالى فيما بعد:وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ } [الإسراء: 111] وعلى الثاني التسوية في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود فإن أهل الكتاب فهموا أحسنية الرحمن لكونه أحب إليه تعالى إذ أكثر ذكره في كتابهم وكأن حكمة ذلك أن موسى عليه السلام كان غضوباً كما دلت عليه الآثار فأكثر له من ذكر الرحمن ليعامل أمته بمزيد الرحمة لأن الأنبياء عليهم السلام يتخلقون بأخلاق الله تعالى.

قال القاضي البيضاوي: وهذا أجوب لقوله تبارك اسمه { أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } لأن توصيف الأسماء بالحسنى يفهم منه أن المقول لهم ذلك يظنون أحسنية اسم من اسم لا التغاير. وقال صاحب «الكشف»: الغرض على الوجهين التسوية بين اللفظين في الحسن والاختلاف إنما هو بأن الاستواء في الحسن رد لمن قال: إنك لتقل الخ بأن الإتيان بأحد الحسنين كاف أو لمن قال: ينهانا أن ندعو إلٰهين وهو يدعو بأن الاختلاف بين اللفظين الدالين على كماله تعالى لا بين كاملين فالأجوبية ممنوعة انتهى.

وتعقب بأن أنسبية التوصيف بالحسنى للثاني ظاهرة مما لا تكاد تنكر. ووجه الطيبـي الأجوبية بأن اعتراض اليهود كان تعييراً للمسلمين على ترجيح أحد الاسمين على الآخر واعتراض المشركين كان تعييراً على الجمع بين اللفظين. وقوله تعالى: { أَيّا مَّا تَدْعُواْ } يطابق الرد على اليهود لأن المعنى أي اسم من الاسمين دعوتموه فهو حسن وهو لا ينطبق على اعتراض المشركين ثم قال: هذا مسلم إذا كان (أو) للتخيير ويجوز أن تكون للإباحة والانطباق حينئذٍ ظاهر فإن المشركين حظروا الجمع بين الاسمين فيكون ردهم بإباحة الجمع بين الأسماء المتكاثرة فضلاً عن الجمع بين الاسمين على أن الجواب بالتخيير في الرد على أهل الكتاب غير مطابق لأنهم اعترضوا بالترجيح. وأجيب بالتسوية لأن (أو) تقتضيها، وكان الجواب العتيد أن يقال: إنما رجحنا الله على الرحمن في الذكر لأنه جامع لجميع صفات الكمال بخلاف الرحمن، وسيأتي قريباً إن شاء الله تعالى تتمة الكلام فيما يتعلق بهذا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6