الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً }

وقوله تعالى: { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَـٰنُ بِٱلشَّرّ } قال شيخ الإسلام «بيان لحال المهدي إثر بيان حال الهادي وإظهار لما بينهما من التباين» والمراد بالإنسان الجنس أسند إليه حال بعض أفراده وهو الكافر، وإليه يشير كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو حكى عنه حاله في بعض أحيانه كما يقتضيه ما روي عن الحسن ومجاهد فالمعنى على الأول أن القرآن يدعو الإنسان إلى الخير الذي لا خير فوقه من الأجر الكبير ويحذره من الشر الذي لا شر وراءه من العذاب الأليم وهو أي بعض أفراده أعني الكافر يدعو لنفسه بما هو الشر من العذاب المذكور إما بلسانه حقيقة كدأب من قال منهم:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32] ومن قال:فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } [الأعراف: 70] إلى غير ذلك مما حكى عنهم، وإما بأعمالهم السيئة المفضية إليه الموجبة له مجازاً كما هو ديدن كلهم. وبعضهم جعل الدعاء باللسان مجازاً أيضاً عن الاستعجال استهزاء. { دُعَاءهُ } أي دعاء كدعائه فحذف الموصوف وحرف التشبيه وانتصب المجرور على المصدرية وهو مراد من قال: مثل دعائه { بِٱلْخَيْرِ } المذكور فرضاً لا تحقيقاً فإنه بمعزل عن الدعاء به، وفيه رمز إلى أنه اللائق بحاله.

{ وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ } أي من أسند إليه الدعاء المذكور من أفراده { عَجُولاً } يسارع إلى طلب كل ما يخطر بباله متعامياً عن ضرره أو مبالغاً في العجلة يستعجل الشر والعذاب وهو آتيه لا محالة ففيه نوع تهكم به، وعلى تقدير حمل الدعاء على أعمالهم تجعل العجولية على اللج والتمادي في استيجاب العذاب بتلك الأعمال، والمعنى على الثاني أن القرآن يدعو الإنسان إلى ما هو خير وهو في بعض أحيانه كما عند الغضب يدعه ويدعو الله تعالى لنفسه وأهله وماله بما هو شر وكان الإنسان بحسب جبلته عجولاً ضجراً لا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه. أخرج الواقدي في «المغازي» " عن عائشة رضي الله تعالى عنها: «أن النبـي صلى الله عليه وسلم دخل عليها بأسير وقال لها: احتفظي به / قالت: فلهوت مع امرأة فخرج ولم أشعر فدخل النبـي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقلت: والله لا أدري وغفلت عنه فخرج فقال: قطع الله يدك ثم خرج عليه الصلاة والسلام فصاح به فخرجوا في طلبه حتى وجدوه ثم دخل علي فرآني وأنا أقلب يدي فقال: ما لك؟ قلت: انتظر دعوتك فرفع يديه وقال: اللهم إنما أنا بشر آسف وأغضب كما يغضب البشر فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوتك عليه بدعوة فاجعلها له زكاة وطهراً "

السابقالتالي
2 3