الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً }

{ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى إِذًا لأمْسَكْتُمْ } أي خزائن نعمه التي أفاضها على كافة الموجودات فالرحمة مجاز عن النعم والخزائن استعارة تحقيقية أو تخييلية. و { أَنتُمْ } على ما ذهب إليه الحوفي والزمخشري وأبو البقاء وابن عطية وغيرهم فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور لأن (لو) يمتنع أن يليها الاسم والأصل لو تملكون تملكون فلما حذف الفعل انفصل الضمير، ومثل ذلك قول حاتم وقد أسر فلطمته جارية لو ذات سوار لطمتني، وقول المتلمس:
ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي   جعلت لهم فوق العرانين ميسما
وفائدة الحذف والتفسير على ما قيل الإيجاز فإنه بعد قصد التوكيد لو قيل تملكون تملكون لكان إطناباً وتكراراً بحسب الظاهر، والمبالغة لتكرير الإسناد أو لتكرير الشرط فإنه يقتضي تكرر ترتب الجزاء عليه والدلالة على الاختصاص وذلك بناءً على أن { أَنتُمْ } بعينه ضمير { تَمْلِكُونَ } المؤخر فهو في المعنى فاعل مقدم وتقديم الفاعل المعنوي يفيد الاختصاص إذا ناسب المقام فيفيد الكلام حينئذٍ ترتب الإمساك، وسيأتي قريباً إن شاء الله تعالى المراد منه على تفردهم بملك الخزائن ويعلم منه ترتبه على ملكها بالاشتراك بالطريق الأولى. وإلى تخريج مثل هذا التركيب على هذا الطرز ذهب البصريون بيد أن أبا الحسن بن الصائغ وغيره صرحوا بأنهم يمنعون إيلاء لو فعلاً مضمراً في الفصيح ويجيزونه في الضرورة وفي نادر كلام، ولعل شعر المتلمس ومثل حاتم عندهم من ذلك والحق خلاف ذلك. وقال أبو الحسن علي بن فضال المجاشعي: إن التقدير لو كنتم أنتم تملكون، وظاهره أن (أنتم) عنده توكيد للضمير المحذوف مع الفعل وليس بشيء. وقال أبو الحسن بن الصائغ: إن الأصل لو كنتم تملكون فحذفت كان وحدها وانفصل الضمير فهو عنده اسم لكان محذوفة وجملة { تَمْلِكُونَ } خبرها وعلى هذا تخرج نظائره. قال أبو حيان بعد نقل ما تقدم: وهذا التخريج أحسن لأن حذف كان بعد لو معهود في لسان العرب. ولا يخفى أن الكلام على ما سمعت أولاً أفيد وإن كان الظاهر أن الإمساك على هذا يكون على استمرار الملك. والمراد من الإمساك البخل وذلك لأن البخل إمساك خاص فلما حذف المفعول ووجه إلى نفس الفعل بمعنى لفعلتم الإمساك جعل كناية عن أبلغ أنواعه وأقبحها، وإلى كونه كناية عما ذكر ذهب صاحب «الفرائد» وغيره. وجوز أن يكون مضمناً معنى البخل. وتعقب بأنه ليس بشيء لفظاً ومعنى، وعلى ما ذكرنا يتخرج قولهم للبخيل ممسك.

{ خَشْيَةَ ٱلإِنفَاقِ } أي مخافة الفقر كما أخرجه ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وروي نحوه عن قتادة وإليه ذهب الراغب قال: يقال أنفق فلان إذا افتقر، وأبو عبيدة قال: أنفق وأملق وأعدم وأصرم بمعنى واحد، وقال بعضهم: الإنفاق بمعناه المعروف وهو صرف المال، وفي الكلام مقدر أي خشية عاقبة الإنفاق.

السابقالتالي
2 3