الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ }

{ فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } أي إذا أردت قراءة القرآن فاسأله عز جاره أن يعيذك { مِنْ } وساوس { ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ } كيلا يوسوسك في القراءة، فالقراءة مجاز مرسل عن إرادتها إطلاقاً لاسم المسبب على السبب، وكيفية الاستعاذة عند الجمهور من القراء وغيرهم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لتظافر الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ كذلك. وروى الثعلبـي والواحدي أن ابن مسعود قرأ عليه عليه الصلاة والسلام فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقال له صلى الله عليه وسلم: " يا ابن أم عبد قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبريل عن القلم عن اللوح المحفوظ " نعم أخرج أبو داود والبيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها في ذكر الإفك قالت: " جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف عن وجهه وقال: اعوذ بالله السميع / العليم من الشيطان الرجيم { إن الذين جاؤوا بالإِفك } [النور: 11] " الآية، وأخرجا عن سعيد انه قال: " كان رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل فاستفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم " الخ وبذلك أخذ من استعاذ كذلك، وفي " الهداية " الأولى أن يقول: أستعيذ بالله ليوافق القرآن ويقرب [منه] أعوذ بالله من الشيطان الرجيم اهـ، والمختار ما سمعت أولاً لأن لفظ استعذ طلب العوذ وقوله: أعوذ امتثال مطابق لمقتضاه. والقرب من اللفظ مهدر، ويكفي لأولوية ما عليه الجمهور مجيؤه في المأثور. وقال بعض أصحابنا: ولا ينبغي أن يزيد المتعوذ السميع العليم لأنه ثناء وما بعد التعوذ محل القراءة لا محل الثناء وفيه أن هذا بعد تسليم الخبرين السابقين غير سديد على أنه ليس في ذلك إتيان بالثناء بعد التعود بل إتيان به في أثنائه كما لا يخفى.

والأمر بها للندب عندهم، وأخرج عبد الرزاق في " المصنف " وابن المنذر عن عطاء وروي عن الثوري أنها واجبة لكل قراءة في الصلاة أو غيرها لهذه الآية فحملا الأمر فيها على الوجوب نظراً إلى أنه حقيقة فيه، وعدم صلاحية كونها لدفع الوسوسة في القراءة صارفاً عنه بل يصح شرع الوجوب معه، وأجيب بأنه خلاف الإجماع، ويبعد منهما أن يبتدعا قولاً خارقاً له من بعد علمهما بأن ذلك لا يجوز فالله تعالى أعلم بالصارف على قول الجمهور، وقد يقال: هو تعليمه صلى الله عليه وسلم الاعرابـي الصلاة ولم يذكرها عليه الصلاة والسلام. وقد يجاب بأن تعليمه إياها بتعليمه ما هو من خصائصها وهي ليست من واجباتها بل من واجبات القراءة أو إن كونها تقال عند القراءة كان ظاهراً معهوداً فاستغنى عن ذكرها، وفيه أنه لا يتأتى على ما ستسمع قريباً إن شاء الله تعالى من قول أبـي يوسف عليه الرحمة، وقال الخفاجي: إن حمل الأمر على الندب لما روي من ترك النبـي صلى الله عليه وسلم لها، وإذا ثبت هذا كفى صارفاً.

السابقالتالي
2