الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً } أي عملا صالحاً أي عمل كان، وهذا ـ كما قيل ـ شروع في تحريض كافة المؤمنين على كل عمل صالح غب ترغيب طائفة منهم في الثبات على ما هم عليه من عمل صالح مخصوص دفعاً لتوهم [اختصاص] الأجر الموفور بهم وبعملهم، وقوله تعالى: { مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } دفع لتوهم تخصيص { مِنْ } بالذكور لتبادرهم من ظاهر لفظ { مِنْ } فإنه مذكر وعاد عليه ضميره وإن شمل النوعين وضعاً على الأصح، واستدل عليه بما رواه الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم: " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله تعالى إليه " ، وقول أم سلمة: «فكيف تصنع النساء بذيولهن» الحديث فإن أم سلمة رضي الله تعالى عنها فهمت دخول النساء في { مِنْ } وأقرها على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأنهم أجمعوا على أنه لو قال: من دخل داري فهو حر فدخلها الإماء عتقن، وبعضهم يستدل على ذلك أيضاً بهذه الآية إذ لولا تناوله الأنثى وضعاً لما صح أن يبين بالنوعين. وفي " الكشف " كان الظاهر تناوله للذكور من حيث إن الإناث لا يدخلن في أكثر الأحكام والمحاورات وإن كان التناول على طريق التعميم والتغليب حاصلاً لكن لما أريد التنصيص ليكون أغبط للفريقين ونصاً في تناولهما بين بذكر النوعين اهـ، والقول الأصح أن التناول لا يحتاج إلى التغليب، وتمام الكلام في ذلك في " كتب الأصول ".

وقوله تعالى: { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } في موضع الحال من فاعل { عَمِلَ } وقيد به إذ لا اعتداد بأعمال الكفرة الصالحة في استحقاق الثواب إجماعاً، واختلف في ترتب تخفيف العقاب عليها، فقال بعضهم: لا يترتب أيضاً لقوله تعالى:وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ } [النحل: 85] وقوله تعالى:وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [الفرقان: 23]. وقال الإمام: إن إفادة العمل الصالح لتخفيف العقاب غير مشروطة بالإيمان لقوله تعالى:فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } [الزلزلة: 7] وحديث أبـي طالب أنه اخف الناس عذاباً لمحبته وحمايته النبـي صلى الله عليه وسلم. وفي " البحر " أن قوله تعالى:فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [الزلزلة: 7] مخصص بهذه الآية ونحوها أو يراد ـ بمثقال ذرة ـ مثقال ذرة من إيمان كما جاء فيمن يخرج من النار من عصاة المؤمنين، وقال الكرماني: إن تخفيف العذاب عن أبـي طالب ليس جزاء لعمله بل هو لرجاء غيره أو هو من خصائص نبينا عليه الصلاة والسلام، وقال بعضهم: الإيمان شرط لترتب التخفيف على الأعمال الصالحة إذا كانت مما يتوقف صحتها على النية التي لا تصح من كافر وليس شرطاً للترتب عليها إذا لم تكن كذلك، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في هذا المقام.

السابقالتالي
2 3 4