الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

{ وَلاَ تَكُونُواْ } فيما تصنعون من النقض { كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا } مصدر بمعنى المفعول أي مغزولها، والفعل منه غزل يغزل بكسر الزاي، والنقض ضد الإبرام، وهو في الجرم فك أجزائه بعضها من بعض، وقوله تعالى: { مِن بَعْدِ قُوَّةٍ } متعلق بنقضت على أنه ظرف له لا حال و ـ من ـ زائدة مطردة في مثله أي كالمرأة التي نقضت غزلها من بعد إبرامه وإحكامه. { أَنكَـٰثًا } جمع نكث بكسر النون وهو ما ينكث فتله وانتصابه قيل على أنه حال مؤكدة من { غزلها } وقيل: على أنه مفعول ثان لنقض لتضمنه معنى جعل، وجوز الزجاج كون النصب على المصدرية لأن { نَقَضَتْ } بمعنى نكثت فهو ملاق لعامله في المعنى. وقال في «الكشف»: إن جعله مفعولاً على التضمين أولى من جعله حالاً أو مصدراً، وفي الإتيان به مجموعاً مبالغة وكذلك في حذف الموصوفة ليدل على الخرقاء الحمقاء وما أشبه ذلك، وفي «الكشاف» ما يشير إلى اعتبار التضمين حيث قال: أي لا تكونوا كالمرأة التي أنحت على غزلها بعد أن أحكمته فجعلته أنكاثاً، وفي قوله: أنحت ـ على ما قال القطب ـ إشارة إلى أن { نَقَضَتْ } مجاز عن أرادت النقض على حد قوله تعالى:إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ } [المائدة: 6] وذكر أنه فسر بذلك جمعاً بين القصد والفعل ليدل على حماقتها واستحقاقها اللوم بذلك فإن نقضها لو كان من غير قصد لم تستحق ذلك ولأن التشبيه كلما كان أكثر تفصيلاً كان أحسن، ولا يخفى ما في اعتبار التضمين وهذا المجاز من التكليف وكأنه لهذا قيل: إن اعتبار القصد لأن المتبادر من الفعل الاختياري وفي " الكشف " خرج ذلك المعنى من قوله تعالى: { مِن بَعْدِ قُوَّةٍ } فإن نقض المبرم لا يكون إلا بعد أنحاء بالغ وقصد تام ولم يرد بالموصول امرأة بعينها بل المراد من هذه صفته ففي الآية تشبيه حال الناقض بحال الناقض في أخس أحواله تحذيراً منه وأن ذلك ليس من فعل العقلاء وصاحبه داخل في عداد حمقى النساء، وقيل: المراد امرأة معلومة عند المخاطبين كانت تغزل فإذا برمت غزلها تنقضه وكانت تسمى خرقاء مكة، قال ابن الأنباري: كان اسمها ريطة بنت عمرو المرية تلقب الحفراء، وقال الكلبـي ومقاتل: هي امرأة من قريش اسمها ريطة بنت سعد التيمي اتخذت/ مغزلاً قدر ذراع وصنارة مثل أصبع وفلكة عظيمة على قدرها فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن. وأخرج ابن أبـي حاتم عن أبـي بكر بن حفص قال: كانت سعيدة الأسدية مجنونة تجمع الشعر والليف فنزلت هذه الآية { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا } وروى ابن مردويه عن ابن عطاء أنها شكت جنونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبت أن يدعو لها بالمعافاة فقال لها عليه الصلاة والسلام:

السابقالتالي
2