الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ } أي فيما نزله عليك تبياناً لكل شيء، وإيثار صيغة الاستقبال فيه وفيما بعده لإفادة التجدد والاستمرار { بِٱلْعَدْلِ } أي بمراعاة التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وهو رأس الفضائل كلها يندرج تحته فضيلة القوة العقلية الملكية من الحكمة المتوسطة بين الحرمزة والبلادة، وفضيلة القوة الشهوية البهيمية من العفة المتوسطة بين الخلاعة والخمود، وفضيلة القوة الغضبية السبعية من الشجاعة المتوسطة بين التهور والجبن. فمن الحكم الاعتقادية التوحيد المتوسط بين التعطيل ونفي الصنائع كما تقوله الدهرية والتشريك كما تقوله الثنوية والوثنية، وعليه اقتصر ابن عباس في تفسير العدل على ما رواه عنه البيهقي في " الأسماء والصفات " وابن جرير وابن المنذر وغيرهم، وضم إليه بعضهم القول بالكسب المتوسط بين محض الجبر والقدر. ومن الحكم العملية التعبد بأداء الواجبات المتوسط بين البطالة وترك العمل لزعم أنه لا فائدة فيه إذ الشقي والسعيد متعينان في الأزل كما ذهب إليه بعض الملاحدة والترهب بترك المباحات تشبيهاً بالرهبان. ومن الحكم الخلقية الجد المتوسط بين البخل والتبذير. وعن سفيان بن عيينة أن العدل استواء السريرة والعلانية في العمل. وأخرج ابن أبـي حاتم عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: دعاني عمر بن عبد العزيز فقال لي: صف لي العدل فقلت بخ سألت عن أمر جسيم كن لصغير الناس أباً ولكبيرهم ابناً وللمثل منهم أخاً وللنساء كذلك وعاقب الناس على قدر ذنوبهم وعلى قدر أجسادهم ولا تضربن لغضبك سوطاً واحداً فتكون من العادين، ولعل اختيار ذلك لأنه الأوفق بمقام السائل وإلا فما تقدم في تفسير أولى.

{ وَٱلإْحْسَانِ } أي إحسان الأعمال والعبادة أي الاتيان بها على الوجه اللائق، وهو إما بحسب الكيفية كما يشير إليه ما رواه البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " أو بحسب الكمية كالتطوع بالنوافل الجابرة لما في الواجبات من النقص، وجوز أن يراد بالإحسان الإحسان المتعدي بإلى لا المتعدي بنفسه فإنه يقال: أحسنه وأحسن إليه أي الإحسان إلى الناس والتفضل عليهم، فقد أخرج ابن النجار في " تاريخه " من طريق العكلي عن أبيه قال: مر علي بن أبـي طالب كرم الله تعالى وجهه بقوم يتحدثون فقال: فيم أنتم؟ فقالوا: نتذاكر المروءة فقال: أو ما كفاكم الله عز وجل ذاك في كتابه إذ يقول: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } فالعدل الإنصاف والإحسان التفضل فما بقي بعد هذا، وأعلى مراتب الإحسان على هذا الإحسان إلى المسيء وقد أمر به نبينا صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبـي حاتم عن الشعبـي قال: قال عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام: إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما بعدما فسر/ العدل بالتوحيد فسر الإحسان بأداء الفرائض، وفيه اعتبار الإحسان متعدياً بنفسه، وقيل: العدل أن ينصف وينتصف والإحسان أن ينصف ولا ينتصف؛ وقيل: العدل في الأفعال والإحسان في الأقوال.

السابقالتالي
2 3 4