الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ }

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ } وهو كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نبيهم الذي بعث فيهم في الدنيا، ومعنى كونه { مّنْ أَنفُسِهِمْ } أنه منهم، وذلك ليكون أقطع للمعذرة، ولا يرد لوط عليه السلام فإنه لما تأهل فيهم وسكن معهم عد منهم أيضاً، وقال ابن عطية: يجوز أن يبعث الله تعالى شهداء من الصالحين مع الأنبياء عليهم السلام، وقد قال بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم: إذا رأيت أحداً على معصية فانهه فإن/ أطاعك وإلا كنت شهيداً عليه يوم القيامة، وذكر الإمام في الآية قولين الأول أن كل نبـي شاهد على قومه كما تقدم، والثاني إن كل قرن وجمع يحصل في الدنيا فلا بد أن يحصل فيهم من يكون شهيداً عليهم ولا بد أن لا يكون جائز الخطأ وإلا لاحتاج إلى آخر وهكذا فيلزم التسلسل، ووجود الشهيد كذلك في عصر النبـي صلى الله عليه وسلم ظاهر وأما بعده فلا بد في كل عصر من أقوام تقوم الحجة بقولهم وهم قائمون مقام الشهيد المعصوم، ثم قال: وهذا يقتضي أن يكون إجماع الأمة حجة انتهى، وإلى أنه لا بد في كل عصر ممن يكون قوله حجة على أهل عصره ذهب الجبائي وأكثر المعتزلة، قال الطبرسي في «مجمع البيان»: ومذهبهم يوافق مذهب أصحابنا. يعني الشيعة. وإن خالفه في أن ذلك الحجة من هو. وأنت تعلم أن الاستدلال بالآية على هذا المطلب ضعيف، وتحقيق الكلام في ذلك يطلب من محله. وقال الأصم: المراد بالشهيد أجزاء من الإنسان، وذلك أنه تعالى ينطق عشرة أجزاء منه وهي الأذنان والعينان والرجلان واليدان والجلد واللسان فتشهد عليه لأنه سبحانه قال في صفة الشهيد من أنفسهم.

وتعقبه القاضي وغيره بأن كونه شهيداً على الأمة يقتضي أن يكون غيرهم، وأيضاً قوله تعالى: { مِن كُلّ أمَّةٍ } يأبـى ذلك إذ لا يصح وصف آحاد الأعضاء بأنها من الأمة؛ وأيضاً مقابلة ذلك بقوله سبحانه: { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ } يبعد ما ذكر كما لا يخفى، والمراد بهؤلاء أمته صلى الله عليه وسلم عند أكثر المفسرين، ولم يستبعد أن يكون المراد بهم ما يشمل الحاضرين وقت النزول وغيرهم إلى يوم القيامة فإن أعمال أمته عليه الصلاة والسلام تعرض عليه بعد موته. فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ومماتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله تعالى عليه وما رأيت من شر استغفرت الله تعالى لكم " بل جاء أن أعمال العبد تعرض على أقاربه من الموتى، فقد أخرج ابن أبـي الدنيا عن أبـي هريرة أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6