الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ } عطف على قوله تعالى:وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } [النحل: 72]/ منتظم معه في سلك أدلة التوحيد، ويفهم من قول العلامة الطيبـي أنه تعالى عقب قوله سبحانه:إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } [النحل: 77] بقوله جل وعلا: { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم } الخ معطوفاً بالواو إيذاناً بأن مقدوراته تعالى لا نهاية لها والمذكور بعض منها أن العطف على قوله سبحانه: { إِنَّ ٱللَّهَ } الخ، والذي تنبسط له النفس هو الأول. والأمهات بضم الهمزة وفتح الميم جمع أم والهاء فيه مزيدة وكثر زيادتها فيه وورد بدونها، والمعنى في الحالين واحد، وقيل: ذو الزيادة للأَناسي والعاري عنها للبهائم، ووزن المفرد فعل لقولهم الأمومة، وجاء بالهاء كقول قصى بن كلاب عليهما الرحمة:
أمهتي خندف وإلياس أبـى   
وهو قليل، وأقل من ذلك زيادة الهاء في الفعل كما قيل في إهراق، وفيه بحث فارجع إلى الصحاح وغيره. وقرأ حمزة بكسر الهمزة والميم هنا، وفي الزمر والنجم والروم، والكسائي بكسر الميم فيهن؛ والأعمش بحذف الهمزة وكسر الميم، وابن أبـي ليلى بحذفها وفتح الميم، قال أبو حاتم: حذف الهمزة رديء ولكن قراءة ابن أبـي ليلى أصوب، وكانت كذلك على ما في " البحر " لأن كسر الميم إنما هو لإتباعها حركة الهمزة فإذا كانت الهمزة محذوفة زال الإتباع بخلاف قراءة ابن أبـي ليلى فإنه أقر الميم على حركتها.

{ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } في موضع الحال و { شَيْئاً } منصوب على المصدرية أو مفعول { تَعْلَمُونَ } ، والنفي منصب عليه، والعلم بمعنى المعرفة أي غير عارفين شيئاً أصلاً من حق المنعم وغيره، وقيل: شيئاً من منافعكم، وقيل: مما قضى عليكم من السعادة أو الشقاوة، وقيل: مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم، والظاهر العموم ولا داعي إلى التخصيص. وعن وهب يولد المولود خدراً إلى سبعة أيام لا يدرك راحة ولا ألماً. وادعى بعضهم أن النفس لا تخلو في مبدأ الفطرة عن العلم الحضوري وهو علمها بنفسها إذ المجرد لا يغيب عن ذاته أصلاً، فقد قال الشيخ في بعض " تعليقاته " عند إثبات تجرد النفس: إنك لا تغفل عن ذاتك أصلاً في حال من الأحوال ولو في حال النوم والسكر، ولو جوز مجوز أن يغفل عن ذاته في بعض الأحوال حتى لا يكون بينه وبين الجماد في هذه الحالة فرق فلا يجدي هذا البرهان معه، وقال بهمنيار في " التحصيل " في فصل العقل والمعقول: ثم إن النفس الإنسانية تشعر بذاتها فيجب أن يكون وجودها عقلياً فيكون نفس وجودها نفس إدراكها ولهذا لا تعزب عن ذاتها البتة، ومثله في " الشفاء " ، وأنت تعلم أن عدم الخلو مبني على مقدمات خفية كتجرد النفس الذي أنكره الطبيعيون عن آخرهم وأن كل مجرد عالم ولا يتم البرهان عليه، وأيضاً ما نقل من أن علم النفس بذاتها عين ذاتها لا ينافي أن يكون لكون الذات علماً بها شرط فما لم يتحقق ذلك الشرط لم تكن الذات علماً بها كما أن لكون المبدأ الفياض خزانة لمعقولات زيد مثلاً شرطاً إذا تحقق تحقق وإلا فلا، ويؤيد ذلك أن علم النفس بصفاتها أيضاً نفس صفاتها عندهم؛ ومع ذلك يجوز الغفلة عن الصفة في بعض الأحيان كما لا يخفى.

السابقالتالي
2 3 4