الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ وَللَّهِ } تعالى خاصة لا لأحد غيره استقلالاً ولا اشتراكا { غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي جميع الأمور الغائبة عن علوم المخلوقين بحيث لا سبيل لهم إلى إدراكها حساً ولا إلى فهمها عقلاً، ومعنى الإضافة إليهما التعلق بهما إما باعتبار الوقوع فيهما حالاً أو مآلاً وإما باعتبار الغيبة عن أهلهما، ولا حاجة إلى تقدير هذا المضاف، والمراد بيان الاختصاص به تعالى من حيث المعلومية حسبما ينبىء عنه عنوان الغيبة لا من حيث المخلوقية والمملوكية وإن كان الأمر كذلك في نفس الأمر، وفيه ـ كما في " إرشاد العقل السليم " ـ إشعار بأن علمه تعالى حضوري فإن تحقق الغيوب في نفسها [علم] بالنسبة إليه سبحانه وتعالى ولذلك لم يقل تعالى: ولله علم غيب السمٰوات والأرض، وقيل: المراد بغيب السمٰوات والأرض ما في قوله سبحانه:إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ } [لقمان: 34] الآية، وقيل: يوم القيامة، ولا يخفى أن القول بالعموم أولى.

{ وَمَا أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ } التي هي أعظم ما وقع فيه المماراة من الغيوب المتعلقة بالسمٰوات والأرض من حيث الغيبة عن أهلهما أو ظهور آثارها فيهما عند وقوعها أي وما شأنها في سرعة المجيء { إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ } أي كرجع الطرف من أعلا الحدقة إلى أسفلها. وفي " البحر " اللمح النظر بسرعة يقال: لمحه لمحاً ولمحاناً إذا نظره بسرعة { أَوْ هُوَ } أي أمرها { أَقْرَبُ } أي من ذلك وأسرع [زماناً] بأن يقع في بعض أجزاء زمانه فإن رجع الطرف من أعلا الحدقة إلى أسفلها وإن قصر [عن] حركة أينية لها هوية اتصالية منطبقة على زمان له هوية كذلك قابل للانقسام إلى أبعاض هي أزمنة أيضاً بل بأن يقع فيما يقال له آن وهو جزء غير منقسم من أجزاء الزمان كآن ابتداء الحركة، و { أَوْ } قال الفراء: بمعنى بل. ورده في " البحر " بأن بل للإضراب وهو لا يصح هنا بقسميه، أما الإبطال فلأنه يؤل إلى أن الحكم السابق غير مطابق فيكون الإِخبار به كذباً والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك، وأما الانتقال فلأنه يلزمه التنافي بين الإخبار بكونه مثل لمح البصر وكونه أقرب فلا يمكن صدقهما معا ويلزم الكذب المحال أيضاً.

وأجيب باختيار الثاني ولا تنافي بين تشبيهه في السرعة بما هو غاية ما يتعارفه الناس في بابه وبين كونه في الواقع أقرب من ذلك، وهذا بناء على أن الغرض من التشبيه بيان سرعته لا بيان مقدار زمان وقوعه وتحديده. وأجيب أيضاً بما يصححه بشقيه وهو أنه ورد على عادة الناس يعني أن أمرها إذا سئلتم عنها أن يقال فيه: هو كلمح البصر ثم يضرب عنه إلى ما هو أقرب.

السابقالتالي
2 3