الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

ووجه ربط قوله تعالى: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } الخ على هذا عند المدقق أنه تعالى بعد أن نهاهم عن ضرب الأمثال له سبحانه ضرب مثلاً دل به على أنهم ليسوا أهلاً لذلك وأنهم إذا كانوا على هذا الحد من المعرفة والتقليد أو المكابرة فليس لهم إلى ضرب الأمثال المطابقة المستدعي ذكاء وهداية سبيل، وقال غيره في ذلك ولعله أظهر منه: إنه تعالى لما ذكر أنه يعلم كيف تضرب الأمثال وأنهم لا يعلمون علمهم كيف تضرب الأمثال في هذا الباب فقال تعالى: { ضُرِبَ } الخ. ووجه الربط على ما تقدم من أن النهي عن الإشراك أنه سبحانه لما نهاهم عن ضرب المثل الفعلي وهو الإشراك عقبه بالكشف لذي البصيرة عن فساد ما ارتكبوه بقوله سبحانه: { ضُرِبَ } الخ أي أورد وذكر ما يستدل به على/ تباين الحال بين جنابه تعالى شأنه وبين ما أشركوه به سبحانه وينادي بفساد ما هم عليه نداء جلياً { عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْء } بدل من { مَثَلاً } وتفسير له والمثل في الحقيقة حالته العارضة له من المملوكية والعجز التام وبحسبها ضرب نفسه مثلاً ووصف العبد بالمملوكية للتمييز عن الحر لاشتراكهما في كونهما عبدان لله تعالى، وقد أدمج فيه على ما قيل إن الكل عبيد له تعالى وبعدم القدر لتمييزه عن المكاتب والمأذون اللذين لهما تصرف في الجملة، وفي إبهام المثل أولاً ثم بيانه بما ذكر ما لا يخفى من الجزالة.

{ وَمَن رَّزَقْنَاهُ } { مِنْ } نكرة موصوفة على ما استظهره الزمخشري ليطابق { عَبْداً } فإنه أيضاً نكرة موصوفة وإلى ذلك ذهب أبو البقاء، وقال الحوفي: هي موصولة واستظهره أبو حيان، وزعم بعضهم أن ذلك لكون استعمالها موصولة أكثر من استعمالها موصوفة، والأول مختار الأكثرين أي حراً رزقناه بطريق الملك؛ والالتفات إلى التكلم للإشعار باختلاف حالي ضرب المثل والرزق، وفي اختيار ضمير العظمة تعظيم لأمر ذلك الرزق ويزيد ذلك تعظيماً قوله سبحانه: { مِنَّا } أي من جنابنا الكبير المتعالي { رِزْقًا حَسَنًا } حلالاً طيباً أو مستحسناً عند الناس مرضياً ويؤخذ منه على ما قيل كونه كثيراً بناء على أن القلة التي هي أخت العدم لا حسن في ذاتها { فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ } تفضلاً وإحساناً، والفاء لترتب الإنفاق على الرزق كأنه قيل: ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فأنفق وإيثار المنزل من الجملة الاسمية الفعلية الخبر للدلالة على ثبات الإنفاق واستمراره التجددي { سِرّا وَجَهْرًا } أي حال السر وحال الجهر أو إنفاق سر وإنفاق جهر والمراد بيان عموم إنفاقه للأوقات وشمول إنعامة لمن يجتنب عن قبوله جهراً. وجوز أن يكون وصفه بالكثرة مأخوذاً من هذا بناء أن المراد منه كيف يشاء وهو يدل على أنحاء التصرف وسعة المتصرف منه، وتقديم السر على الجهر للإيذان بفضله عليه، وقد مر الكلام في ذلك؛ والعدول عن تطبيق القرينتين بأن يقال: وحراً مالكاً للأموال مع كونه أدل على تباين الحال بينه وبين قسيمه لما في " ارشاد العقل السليم " من توخي تحقيق الحق بأن الأحرار أيضاً تحت ربقة عبوديته تعالى وأن مالكيتهم لما يملكونه ليست إلا بأن يرزقهم الله تعالى إياه من غير أن يكون لهم مدخل في ذلك مع محاولة المبالغة في الدلالة على ما قصد بالمثل من تباين الحال بين الممثلين فإن العبد المملوك حيث لم يكن مثل العبد المالك فما ظنك بالجماد ومالك الملك خلاق العالمين.

السابقالتالي
2 3