الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ }

{ وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلْرّزْقِ } أي جعلكم متفاوتين فيه فأعطاكم منه أفضل مما أعطى مماليككم { فَمَا ٱلَّذِينَ فُضّلُواْ } فيه على غيرهم وهم الملاك { بِرَآدّى } أي بمعطي { رِزْقِهِمْ } الذي رزقهم إياه { عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ } على مماليكهم الذين هم شركاؤهم في المخلوقية والمرزوقية { فَهُمُ } أي الملاك الذين فضلوا والمماليك { فِيهِ } أي في الرزق { سَوَآء } لا تفاضل بينهم، والجملة الاسمية واقعة موقع فعل منصوب في جواب النفي أي لا يردونه عليهم فيستووا فيه ويشتركوا، وجوز أن تكون في تأويل فعل مرفوع معطوف على قوله تعالى: { بِرَآدّى } أي لا يردونه عليهم فلا يستوون، والمراد بذلك توبيخ الذين يشركون به سبحانه بعض مخلوقاته وتقريعهم والتنبيه على كمال قبح فعلهم كأنه قيل: إنكم لا ترضون بشركة عبيدكم لكم بشيء لا يختص بكم بل يعمكم وإياهم من الرزق الذي هم أسوة لكم في استحقاقه وهم أمثالكم في البشرية والمخلوقية لله عز سلطانه فما بالكم تشركون به سبحانه وتعالى فيما لا يليق إلا به جل وعلا من الألوهية/ والمعبودية الخاصة بذاته تعالى لذاته بعض مخلوقاته الذي هو بمعزل عن درجة الاعتبار، وهو على ما صرح به جماعة على شاكلة قوله تعالى:ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ مّن شُرَكَاء فِيمَا رَزَقْنَـٰكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء } [الروم: 28] يعنون بذلك أنه مثل ضرب لكمال قباحة ما فعلوه.

وفي قوله تعالى: { أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } قرينة ـ كما قيل ـ على ذلك، وكذا في قوله تعالى:فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ } [النحل: 74] والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر وهي داخلة في الحقيقة على الفعل أعني { يَجْحَدُونَ } ولتضمن الجحود معنى الكفر جىء بالباء في معموله المقدم عليه للاهتمام أو لإيهام الاختصاص مبالغة أو لرعاية رؤوس الآي، والمراد بالنعمة قيل الرزق وقيل ولعله الأولى: ما يشمله وغيره من النعم الفائضة عليهم منه سبحانه أي يشركون به تعالى فيجحدون نعمته تعالى حيث يفعلون ما يفعلون من الإشراك فإن ذلك يقتضي أن يضيفوا ما أفيض عليهم من الله تعالى من النعم إلى شركائهم ويجحدوا كونها من عنده جل وعلا، وجوز كون المراد بنعمة الله تعالى ما أنعم سبحانه به من إقامة الحجج وإيضاح السبل وإرسال الرسل عليهم السلام ولا نعمة أجل من ذلك، فمعنى جحودهم ذلك إنكاره وعدم الالتفات إليه، وصيغة الغيبة لرعاية «فما الذين» وقرأ أبو بكر عن عاصم وأبو عبد الرحمن والأعرج بخلاف عنه «تجحدون» بالتاء على الخطاب رعاية لبعضكم، هذا وجوز أن يكون معنى الآية أن الله تعالى فضل بعضاً على بعض في الرزق وأن المفضلين لا يردون من رزقهم على من دونهم شيئاً وإنما أنا رازقهم فالمالك والمملوك في أصل الرزق سواء وإن تفاوتا كماً وكيفاً، والمراد النهي عن الإعجاب والمن اللذين هما مقدمتا الكفران.

السابقالتالي
2