الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

{ وَمِن ثَمَرٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَـٰبِ } متعلق بمحذوف تقديره ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما، وحذف لدلالة { نُّسْقِيكُمْ } قبله عليه، وقوله تعالى: { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } بيان وكشف عن كنه الإسقاء أو ـ بتتخذون ـ و { مِنْهُ } من تكرير الظرف للتأكيد كما في قولك زيد في الدار فيها أو خبر لمحذوف صفته { تَتَّخِذُونَ } أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه، وضمير { مِنْهُ } عائد إما على المضاف المقدر أو على الثمرات المؤولة بالثمر لأنه جمع معرفة أريد به الجنس، وفائدة الصيغة الإشارة إلى تعداد الأنواع أو على ثمر المقدر، و { السكر } الخمر قال الأخطل:
بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم   إذا جرى فيهم المزاء والسكر
وهو في الأصل مصدر سكر سكراً وسكراً نحو رشد رشداً ورشداً. واستشهد له بقوله:
وجاؤنا بهم سكر علينا   فأجلى اليوم والسكران صاحي
وفسروا الرزق الحسن بالخل والرب والتمر والزبيب وغير ذلك، وإليه ذهب صاحب «الكشاف» وقد ذكر في توجيه إعرابها ما ذكرناه، وقدم الوجه الأول من أوجه الثلاثة وهو ظاهر في ترجيحه وصرح به الطيبـي وبينه بما بينه، وأخر الثالث وهو ظاهر في أنه دون أخويه. وفي «الكشف» بعد نقل كلامه في الوجه الأول فيه إضمار العصير وأنه لا يصلح عطفاً في الظاهر على السابق لأنه لا يصلح بياناً للعبرة في الأنعام، وفيه أن { تَتَّخِذُونَ } لا يصلح كشفاً عن كنه الإسقاء كيف وقد فسر الرزق الحسن بالتمر والزبيب أيضاً وأي مدخل للعصير وأين هذا البيان من البيان بقوله تعالى:نُّسْقِيكُمْ } [النحل: 66] ليجعل مدركاً لترجيحه فهذا وجه مرجوح مؤول بأنه عطف على مجموع السابق، وأوثر الفعلية لمكان قربه من { نُّسْقِيكُمْ } وقوله تعالى: { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } تم البيان عنده ثم أتى بفائدة زائدة، وأظهر الأوجه ما ذكر آخراً أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون ليكون عطفاً للاسمية على الاسمية أعني قوله تعالى:وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلأَنْعَـٰمِ لَعِبْرَةً } [النحل: 66] ولما لم يكن العبرة فيه كالأول اكتفى بكونه عطفاً على ما هو عبرة ولم يصرح، وأفيد بالتبعيض/ أن من ثمراتها ما يؤكل قبل الإدراك وما يتلف ويأكل الوحوش وغير ذلك اهـ، وما ذكره في التأويل من بيان البيان عند { سَكَرًا } محوج إلى جعل { رِزْقاً } معمولاً لعامل آخر ولا يخفى بعده، والظاهر أنه لا ينكره، وما ذكره من الوجه الأظهر ذكره الحوفي كصاحبه، ولا يرد عليه أن فيه حذف الموصوف بالجملة لأن ذلك إذا كان الموصوف بعضاً من مجرور من أوفى المقدم عليه مطرد نحو منا أقام ومنا ظعن أراد فريق، وقد يحذف موصوفاً بالجملة في غير ذلك كقول الراجز:
مالك عندي غير سهم وحجر   وغير كبداء شديد الوتر
جادت بكفي كان من أرمى البشر   

السابقالتالي
2 3 4