الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ }

{ وَقَالَ ٱللَّهُ } عطفاً على قوله سبحانه:وَلِلَّهِ يَسْجُدُ } [النحل: 49]. وجوز أن يكون معطوفاً علىوَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذّكْرَ } [النحل: 44] وقيل: إنه معطوف علىمَّا خَلَقَ ٱللَّهُ } [النحل: 48] على أسلوب:
علفتها تبناً وماء بارداً   
أي أو لم يروا إلى ما خلق الله ولم يسمعوا إلى ما قال الله ولا يخفى تكلفه، وإظهار الفاعل وتخصيص لفظة الجلالة بالذكر للإيذان بأنه تعالى متعين الألوهية وإنما المنهي عنه هو الإشراك به لا أن المنهى عنه هو مطلق اتخاذ إلهين بحيث يتحقق الانتهاء عنه برفض أيهما كان، ولم يذكر المقول لهم للعموم أي/ قال تعالى لجميع المكلفين بواسطة الرسل عليهم السلام: { لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ } المشهور أن { ٱثْنَيْنِ } وصف لإلهين وكذا «واحد» في قوله سبحانه: { إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ } صفة لإله، وجيء بهما للايضاح والتفسير لا للتأكيد وإن حصل. وتقرير ذلك أن لفظ { إلهين } حامل لمعنى الجنسية أعني الإلهية ومعنى العدد أعنى الإثنينية وكذا لفظ «إله» حامل لمعنى الجنسية والوحدة، والغرض المسوق له الكلام في الأول النهي عن اتخاذ الاثنين من الإله لا عن اتخاذ جنس الإله، وفي الثاني إثبات الواحد من الإله لا إثبات جنسه فوصف إلهين باثنين وإله بواحد إيضاحاً لهذا الغرض وتفسيراً له، فإنه قد يراد بالمفرد الجنس نحو نعم الرجل زيد. وكذا المثنى كقوله:
فإن النار بالعودين تذكى   وإن الحرب أولها الكلام
وإلى هذا ذهب صاحب " الكشاف " وما يفهم منه أنه تأكيد فمعناه أنه محقق ومقرر من المتبوع فهو تأكيد لغوي لا أنه مؤكد أمر المتبوع في النسبة أو الشمول ليكون تأكيداً صناعياً كيف وهو إنما يكون بتقرير المتبوع بنفسه أو بما يوافقه معنى أو بألفاظ محفوظة، فما قيل: إن مذهبه إن ذلك من التأكيد الصناعي ليس بشيء إذ لا دلالة في كلامه عليه. وقد أورد السكاكي الآية في باب عطف البيان مصرحاً بأنه من هذا القبيل فتوهم منه بعضهم أنه قائل بأن ذلك عطف بيان صناعي، وهو الذي اختاره العلامة القطب في " شرح المفتاح " نافياً كونه وصفاً، واستدل على ذلك بأن معنى قولهم: الصفة تابع يدل على معنى في متبوعه أنه تابع ذكر ليدل على معنى في متبوعه على ما نقل عن ابن الحاجب، ولم يذكر اثنين وواحد للدلالة على الإثنينية والوحدة اللتين في متبوعهما فيكونا وصفين بل ذكرا للدلالة على أن القصد من متبوعهما إلى أحد جزئيه أعنى الإثنينية والوحدة دون الجزء الآخر أعنى الجنسية، فكل منهما تابع غير صفة يوضح متبوعه فيكون عطف بيان لا صفة.

وقال العلامة الثاني: ليس في كلام السكاكي ما يدل على أنه عطف بيان صناعي لجواز أن يريد أنه من قبيل الإيضاح والتفسير وإن كان وصفاً صناعياً، ويكون إيراده في ذلك المبحث مثل إيراد كل رجل عارف وكل إنسان حيوان في بحث التأكيد ومثل ذلك عادة له.

السابقالتالي
2 3