الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }



{ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ } وممن صرح بعود الضمير فيه على { ما } [النحل: 49] أبو سليمان الدمشقي، وقال أبو حيان: إنه الظاهر، وذهب ابن السائب ومقاتل إلى ما قلنا أي يخافون مالك أمرهم.

{ مّن فَوْقِهِمْ } إما متعلق ـ بيخافون ـ وخوف ربهم كناية عن خوف عذابه أو الكلام على تقدير مضاف هو العذاب على ما هو الظاهر أو متعلق بمحذوف وقع حالاً من { رَّبَّهُمْ } أي كائناً من فوقهم، ومعنى كونه سبحانه فوقهم قهره وغلبته لأن الفوقية المكانية مستحيلة بالنسبة إليه تعالى، ومذهب السلف قد أسلفناه لك وأظنه على ذكر منك. والجملة حال من الضمير فيلاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [النحل: 49] وجوز أن تكون بياناً لنفي الاستكبار وتقريراً له لأن من خاف الله تعالى لم يستكبر عن عبادته، واختاره ابن المنير وقال: إنه الوجه ليس إلا لئلا يتقيد الاستكبار وليدل على ثبوت هذه الصفة أيضاً على الإطلاق، ولا بد أن يقال على تقدير الحالية: إنها حال غير منتقلة وقد جاءت في الفصيح بل في أفصحه على الصحيح، وفي اختيار عنوان الربوبية تربية للمهابة وإشعار بعلة الحكم.

{ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } أي ما يؤمرون به من الطاعات والتدبيرات وإيراد الفعل مبيناً للمفعول جرى على سنن الجلالة وإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بالفاعل لاستحالة استناده إلى غيره سبحانه، واستدل بالآية على أن الملائكة مكلفون مدارون بين الخوف والرجاء، أما دلالتها على التكليف فلمكان الأمر، وأما على الخوف فهو أظهر من أن يخفى، وأما على الرجاء فلاستلزام الخوف له على ما قيل، وقيل: إن اتصافهم بالرجاء لأن من خدم أكرم/ الأكرمين كان من الرجاء بمكان مكين، وزعم بعضهم أن خوفهم ليس إلا خوف إجلال ومهابة لا خوف وعيد وعذاب، ويرده قوله تعالى:وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إِلَـٰهٌ مّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 28-29] ولا ينافي ذلك عصمتهم، وقال الإمام: الأصح أن ذلك الخوف خوف الإجلال، وذكر أنه نقل عن ابن عباس واستدل له بقوله تعالى:إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء } [فاطر: 28] وفي القلب منه شيء، والحق أن الآية لا تصلح دليلاً لكون الملائكة أفضل من البشر. واستدل بها فرقة على ذلك من أربعة أوجه ذكرها الإمام ولم يتعقبها بشيء لأنه ممن يقول بهذه الأفضلية، وموضع تحقيق ذلك كتب الكلام.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات: { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } وهو القيامة الكبرى التي يرتفع فيها حجب التعينات ويضمحل السوى، ولما كان صلى الله عليه وسلم مشاهداً لذلك في عين الجمع قال { أَتَىٰ } ولما كان ظهورها على التفصيل بحيث تظهر للكل لا يكون إلا بعد حين قال: { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } لأن هذا ليس وقت ظهوره، ثم أكد شهوده لوجه الله تعالى وفناء الخلق في القيامة بقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5