الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ }

{ وَالأنْعَامَ } وهي الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والضأن والمعز، قال الراغب: ولا يقال أنعام إلا إذا كان فيها إبل، وخصها بعضهم هنا بذلك وليس بشيء، والنصب على المفعولية لفعل مضمر يفسره قوله تعالى: { خَلَقَهَا } وهو أرجح من الرفع في مثل هذا الموضع لتقدم الفعلية وقرىء به في الشواذ أو على العطف على { الإنسان } [النحل:4] وما/ بعد بيان ما خلق لأجله والذي بعده تفصيل لذلك، وقوله سبحانه: { لَكُمْ } إما متعلق - بخلقها - وقوله تعالى: { فيهَا } خبر مقدم وقوله جل وعلا: { دفْءٌ } مبتدأ مؤخر والجملة حال من المفعول أو الجار والمجرور الأول خبر للمبتدأ المذكور والثاني متعلق بما فيه من معنى الاستقرار، وقيل: حال من الضمير المستكن فيه العائد على المبتدأ، وقيل: حال من { دفء } إذ لو تأخر لكان صفة، وجوز أبو البقاء أن يكون الثاني هو الخبر والأول في موضع الحال من مبتدئه، وتعقبه أبو حيان بأن هذا لا يجوز لأن الحال إذا كان العامل فيها معنى لا يجوز تقديمها على الجملة بأسرها فلا يجوز قائماً في الدار زيد فإن تأخرت الحال عن الجملة جازت بلا خلاف وإن توسطت فالأخفش على الجواز والجمهور على المنع، وجوز أبو البقاء أيضاً أن يرتفع { دفء } - بلكم - أو - بفيها - والجملة كلها حال من الضمير المنصوب، وتعقبه أبو حيان أيضاً بأن ذلك لا يعد من قبيل الجملة بل هو من قبيل المفرد، ونقل أنهم جوزوا أن يكون { لكم } متعلقاً - بخلقها - وجملة { فيها دفء } استئناف لذكر منافع الأنعام، واستظهر كون جملة { لكم فيها دفءٌ } مستأنفة، ثم قال: ويؤيد الاسئناف فيها الاستئناف في مقابلتها أعنى قوله تعالى: { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ } فقابل سبحانه المنفعة الضرورية بالمنفعة الغير الضرورية، وإلى نحو ذلك ذهب القطب فاختار أن الكلام قد تم عند { خلقها } لهذا العطف وخالفه في ذلك صاحب " الكشف " فقال: إن قوله تعالى: { خلقها لكم } بناء على تفسير الزمخشري له بقوله: ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان طرف من ترشيح المعنى الثاني في قوله سبحانه:فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } [النحل: 4] لما في الالتفات المشار إليه من الدلالة عليه، وأما الحصر المشار إليه بقوله: ما خلقها إلا لكم فمن اللام المفيدة للاختصاص سيما وقد نوع الخطاب بما يفيد زيادة التمييز والاختصاص، وهذا أولى من جعل { لكم فيها دفء } مقابللَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ } [النحل: 6] لإفادته المعنى الثاني وأبلغ على أنه يكون { فيها دفء } تفصيلاً للأول وكرر { لكم } في الثاني لبعد العهد وزيادة التقريع اهـ، والحق في دعوى أولوية تعلق { لكم } بما قبله معه كما لا يخفى.

السابقالتالي
2